يلجأ كثير من الأسر السعودية إلى طلب يد العون من الطاهيات السعوديات، اللاتي حوَّلن منازلهن إلى مطاعم منزلية للطلبات الخارجية، لا تختلف كثيرا عن المطاعم الموجودة في الشوارع والمجمعات، بل تنافس هذه المطاعم من حيث جودة الخدمة ونظافة المأكولات وسرعة التوصيل وطريقة التقديم، بخاصة في مواسم الإجازات والأعياد وعطلة نهاية الأسبوع، التي تعد فيها الولائم والحفلات والاجتماعات العائلية الكبيرة. وتحرص هؤلاء الطاهيات على دراسة الأذواق التي تختلف من شخص إلى آخر، بل يحرصن على تنويع الأطباق، وتلبية رغبات كل شخص، فأخذن يتجهن نحو الإبداع في الأكلات، وتمسَّكن بطرق إعدادها الأصيلة، كما ورثنها عن أمهاتهن. الجديد في الموضوع هو دخول خريجات الجامعات العاطلات عن العمل، على خط إعداد الأكلات الشعبية، مستعينات بالدعاية لأنشطتهن، والتعريف بقدرتهن على الطبخ، من خلال بروشورات وأوراق تحمل أرقام هواتفهن، يجري توزيعها في المجمعات التجارية والتجمعات النسائية، وغيرها. مراصيع ومطازيز أم سعود سيدة في ال50 من عمرها، لم ترزق بأبناء، تكابد تكاليف الحياة بمجاديف الأمل؛ وهي واحدة من تلك السيدات اللاتي يتقنّ طهي الأكلات الشعبية؛ تقول أم سعود: “كثير من الجيران والأقارب لا يترددون في إبداء إعجابهم بالطعام الذي أطبخه”. وتضيف: “يقولون عني إنني ذات نفس جيد في طبخ الأطباق الشعبية، مثل القرصان والجريش والمرقوق والمطازيز والمراصيع، وغيرها”. وتوضح أم سعود: “ذكرت لي بعض القريبات حكايات عن نساء، استطعن أن يحسّنَّ دخلهن الاقتصادي من خلال الطبخ في البيت، وبيع الوجبات”. وتقول: “أعجبتني الفكرة وبدأت أطبقها مع قريباتي؛ حتى توسع معي الموضوع، وأصبحت أتلقى طلبات بإعداد أكلات بالثمن من أناس لا أعرفهم”. هريس وجريش وحول نوعية الأطباق التي تبيعها؛ تقول أم سعود: “أنا متخصصة في الأكلات الشعبية السعودية، كالكبسة والهريس والجريش، وفي المحليات الشعبية كالحنيني والمحلى”. وتضيف: “لكل نوع من الأطباق مواصفات خاصة، حسب طلب الزبون”. وتوضح: “بعض المحليات تكون بالزبدة مثلا، وبعضها يكون بالبصل، وهكذا”. وحول مستوى العرض والطلب على تلك الأكلات الشعبية، توضح أم سعود: “أنا حتى الآن أعتبر مبتدئة في هذا المجال”. وتضيف: “في الحقيقة لم أتفرغ لهذا الموضوع تفرغا كاملا؛ لذلك لا أجد إقبالا كبيرا”. وتقول: “الطلبات تأتي بمعدل أربعة طلبات في الأسبوع من العوائل، والكميات التي تطلب كميات محدودة، مقارنة بغيري من المتخصصات في هذا المجال”. ب100 و200 ريال أما بالنسبة إلى كيفية تسعير الطعام الذي تعده؛ فتقول أم سعود: “الأسعار لدي تعتمد على حجم الحافظة التي يوضع بها الطعام، وليس على نوع الطبق، فالحافظة التي حجمها خمسة لترات يكون سعرها 100 ريال لكل الأنواع، والحافظة التي يكون حجمها عشرة لترات يكون سعرها 200 ريال”. وحول طبيعة العلاقة مع العملاء، تؤكد أم السعود، أن “العلاقة تبنى على الثقة بين كلا الطرفين”. وتضيف: “أعطي حافظاتي لجميع زبائني من دون تأمين، ولم يسبق أن أحدا لم يرجّع إلي احداها”. بنات اليوم أم عبدالرحمن هي الأخرى تمارس مهنة الطبخ في البيت؛ وتؤكد أن أحد الأسباب الرئيسة وراء رواج هذا النوع من التجارة، هو عزوف فتيات الجيل الحالي عن الطبخ، خصوصا المتزوجات حديثا. وتؤكد أم عبدالرحمن، أنه “على الرغم من أن هذا هو مصدر رزقي، إلا أنني كثيرا ما أنصح بناتي ممن يتصلن بي، لطلب هذه الأكلات بتعلم الطبخ، خصوصا أن بعضهن يتعاملن معي بشكل شبه يومي، ويعزون ذلك إلى أنهن يخرجن من وظائفهن في ساعات متأخرة”. وحول المواسم التي يزدهر فيها الطلب على الأكلات الشعبية، تقول أم عبدالرحمن: “ميزة الطعام أنه ليست له مواسم، فالجميع في حاجة مستمرة إليه؛ لذلك، ولله الحمد، لا يوجد توقف في الطلبات، وإنما في بعض الأوقات يزداد الطلب، خصوصا في آخر الأسبوع؛ بسبب المناسبات”. وتضيف: “أما في رمضان فتبدأ سوق من نوع خاص، بسبب اختلاف أنواع المأكولات المطلوبة، وبسبب الضغط الكبير من قبل الزبائن، حتى أنني غالبا ما أوقف استقبال الطلبات في العشر الأول من رمضان؛ بسبب الحجوزات التي لا تنتهي إلا مع أول أيام العيد”. بوفيه مفتوح وتقول هدى، إحدى محترفات مهنة الطبخ في البيت: “الحمد لله، استطعت مع مرور الوقت كسب ثقة الزبائن بجودة الطعام الذي أطبخه ونظافته”. وتضيف: “أهم ما يميزنا ويجعل الزبون يثق فينا أكثر هو النظافة”. وتوضح: “في البداية كان شغلي مقتصرا على الأطباق البسيطة، وكان أكثر ما يطلب مني هو أنواع المحاشي، وأطباق المحلى”. وتوضح هدى: “ومع مرور الوقت أصبحت أجهّز حفلات كاملة، بالتعاون مع أحد محال تجهيز الحفلات بالرياض”. وتؤكد: “لقد أصبحت آخذ من الزبونة عدد الطلبات، موضحَا به أنواع الأطباق المطلوبة، وأقوم بطهيها وتسليمها للمحل، الذي يقوم بدوره بالذهاب إلى مكان المناسبة، وتجهيزه على شكل بوفيه مفتوح، حسب طلب الزبون”. وتضيف: “حاليا أطمح لإنشاء محل خاص بي، أسوة بزميلات مهنة سبقنني في ذلك، وهن الآن يمتلكن محال، ولديهن مسوقون من الرجال؛ ما يسهل عملية التواصل مع الزبون”. الإسعاف وتعتبر أم عبدالعزيز أن مثل هذه المشاريع بمثابة الإسعاف لربات البيوت. وتضيف: “في بعض الأحيان يأتي إلي عدد من الضيوف، فأقرر أن أطبخ لهم أطباقا شعبية”. وتقول: “لكن وحدي لا يمكنني أن أتمكن من طبخها، كما أن المطاعم لا توفر مأكولات شعبية، باستثناء الرز، وبالتالي أستعين بإحدى الطباخات الماهرات؛ لتطبخ لي بعض الأطباق، بينما أقوم بطبخ الأطباق الأخرى”. سعودة وترى هيا العمري، أن دعم مثل هذه المشاريع أولى من غيرها؛ “خصوصا أنها تجمع بين السعودة والعنصر النسائي”، الذي ترى العمري، أنه مغيب عن سوق العمل، “والأهم من ذلك توافر عامل الجودة”. وتوضح: “العيب الوحيد في مثل هذه المشاريع، أنها غير مكتملة”. وتضيف: “بعضهن لا توفر خدمة التوصيل، وبعضهن توفره؛ بشرط ألا يقل مبلغ الشراء عن 600 ريال؛ ما يصعّب موضوع الشراء المستمر منهن”. مهارة خاصة أما ريم القحطاني فتعتبر أن هذه الأكلات الشعبية تحتاج إلى مهارة خاصة في الطبخ، “لا يمكن اكتسابها إلا من خلال الممارسة، والعيش في بيئة تعشق مثل هذه الأطباق”. وترى أن ذلك “يصعب على المطاعم تعليمها لعمالتها الخارجية”. وبالتالي فإن الأكلات الشعبية، في رأي ريم، ستبقى حكرا على المرأة السعودية، ولن يكسرها ذلك العامل الأجنبي، ذو الأجر الرخيص على حد قولها. خريجات الجامعات وتحكي أم حسام أنها كانت تتعامل مع مجموعة من البنات خريجات الجامعات حديثا. وتوضح أن السبب كان في البداية أنهن فتيات عاطلات عن العمل يبحثن عن الرزق، فكانت تتعامل معهن بقصد مساعدتهن. وتقول أم حسام: “إلا أنه مع مرور الوقت أثبتن جدارتهن، وأصبحن متميزات، خصوصا في أطباق الحلوة”. وتضيف: “لا تكاد تمر عليّ مناسبة، أنا أو قريباتي، إلا وتكون أطباقهن على السفرة، حتى أنهن توسعن، وأصبحن يجهّزن حفلات ومناسبات بأكملها”.