هل يتقاعد الفن ؟؟ هل يحال الفنان إلى التقاعد، أو يجبر على ذلك ؟؟ طبعا لا.. الفنان، أيا كان جنس الفن الذي ينتمي إليه، لا يمكن أن يكون في رفوف النسيان إلا في المجتمعات التي تستطيع وتجرؤ على إلغاء ذاكرتها، وتهميش رموزها الإنسانية.. الفنان المبدع لا يمكن أن يكون مجرد موظف تفاجئه أنظمة التوظيف بأن عليه أن يعود إلى منزله ويختفي ثم يتلاشى في ظلام النسيان.. الفنان قيمة حضارية وملمح إنساني لأي مجتمع، لكنه لدينا مجرد كائن عليه أن يحتكم إلى طقوسنا الوظيفية، خصوصا إذا كان قد انصرف طوال حياته لفنه، وقلقه، وهواجسه الجميلة التي جعلته لا يفكر في مآله. أقول ذلك بعد أن قابلت بعد غيبة طويلة الموسيقار «عبده مزيد».. أنا متأكد تماما أن الكثيرين ممن يقرؤون هذا الكلام لا يعرفون هذا الاسم، لكن أجيالا سبقت تعرفه جيدا، وإذا أراد أحد أن يعرف أكثر سأقول له: هو قائد الفرقة الموسيقية التي نشأت مع إذاعتنا وتلفزيوننا.. هو الذي بدأ عشقه للفن من جبال الطائف عندما أسس الكبير الضخم طارق عبد الحكيم أول فرقة للموسيقى في المملكة.. هو الذي احترف كتابة وتدوين النوتة الموسيقية، وأصبح واحدا من أهم مرجعياتها في العالم العربي.. هو الذي قاد الموسيقى مع كل فنانينا في حفلاتهم داخلا وخارجا.. هو الذي كان حاضرا وبارزا منذ بداية مسرح التلفزيون حتى تقاعده.. هو الذي ألف عشرات المقطوعات الموسيقية التي كانت تبثها معظم إذاعات العالم العربي، وفي مقدمتها إذاعتنا.. هو الذي لا زالت أنامله ترفرف كأجنحة الكناري، صامتا أو متحدثا.. هل سألت عنه وزارة الثقافة والإعلام وهي تجوب العالم من أجل تقديم فننا ؟؟ هل طلبت منه أن يقدم بعض مقطوعاته الموسيقية التي أجزم أنها ستجذب المستمعين والمشاهدين مهما كانت أذواقهم، أكثر مما تجذبهم بعض الفقرات المحنطة التي يقدمها هامشيون على أنها كل ثقافتنا وفننا وتراثنا ؟؟.. هل احتفينا به وبأمثاله وقدمناهم للعالم الذي نحاول أن نثبت له أننا شعب متحضر؟؟ ربما يغضب مني الأستاذ عبده مزيد لأني أكتب هذا الكلام دون علمه، ولكني أؤكد أنني لم أكتبه تسولا له، وإنما لكوني حزينا وأنا أشاهد بعض ما تقدمه وفودنا الفنية، مع أن لدينا لغة موسيقية تستطيع أن تخاطب كل شعوب العالم.. الذي جعلني أكتب هذا الكلام سؤال لأحد أبرز الفنانين في العالم العربي حين جمعتني به مناسبة قبل أيام.. سألني : لديكم موسيقار مهم اسمه عبده مزيد، أين هو؟؟ هل مات؟؟ أجبته لا.. لا زال حيا.. لكنه ليس رئيسا لمعهد الموسيقى، وليس مستشارا للفنون، وليس موجودا في ذاكرة المرجعيات المسؤولة عن ثقافتنا وتراثنا.. ولكني خجلت أن أقول له إنه في بلد يدفن الأحياء حتى المبدعين منهم. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة