أصدرت مكتبة الملك عبد العزيز العامة أخيراً، ضمن سلسلة الأعمال المحكمة «معجم الأصول الفصيحة للألفاظ الدارجة في ثلاثة عشر جزءا للأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي محمد بن ناصر العبودي ويحوي المعجم فهرسا بالألفاظ والكلمات العامية ذات الأصول الفصيحة التي كان يستعملها الفصحاء العرب القدامى في لغتهم المتداولة بجميع مناحي الحياة اليومية تحت عنوان ما فعلته القرون بالعربية في مهدها. ويرصد المعجم بعض ما اعترى الأصول الفصيحة للألفاظ الدارجة من تحريف نتيجة للتطور اللغوي المحتوم أو غلبة لهجات بعينها على اللهجات الأخرى، ليس بقصد إحياء هذه الألفاظ أو استعمالها في لغة الكتابة – على حد تعبير المؤلف، بل بهدف معرفة كيف كان أسلافنا القدماء من العرب الفصحاء يستعملون تلك الألفاظ والكلمات واستمرار استعمالها على مر القرون حتى وصلت إلينا في هذه العصور المتأخرة. ويقدم العبودي في مقدمة المعجم تعريفا للعامية، يتلخص في ما استعمله العامة في كلامها عفوا دون تأنق أو تكلف – ليس كل الألفاظ والكلمات بالطبع – بل ما كان غريبا عن لغة المتعلمين في المملكة والبلاد العربية ويأخذ منحى لغويا عاما يفضي إلى لغة واحدة للكتابة. ويعرض العبودي أمثلة لهذه الألفاظ مثل مادة «أكل» وما أجازه القدماء لها من استعمالات غير شائعة في الفصحى المعاصرة مثل قولهم «أكل عمره لمن عاش عمرا طويلا»، وأكله الجمل بمعنى عضه، وليس بمعنى أكله كما يأكل العلف، حيث إن الجمل لا يأكل اللحم، ومثل أيضا قولهم «أكلته هدومه» لمن استحيا حياء شديدا في مجلس. ويقدم معجم الأصول الفصيحة للألفاظ الدارجة خدمة كبيرة للأجيال الجديدة ليعرفوا معاني لغة الآباء والأجداد على مدى عصور طويلة، قبل أن تتعرض كثير من ألفاظها العامية وبعيدا عن مخاطر النقل غير المباشر لهذه الألفاظ، بما قد يخالف معانيها الحقيقية التي استخدمها الأوائل للتعبير عنها. ويتوقف العبودي في تقديمه للمعجم عند أفكار بعض طلبة العلم لتسمية الألفاظ الفصيحة التي يستخدمها العامة بالعامية زاعمين أنها فصيحة فقط، ولا تمت للعامية بصلة، مؤكدا أن هذه الألفاظ رغم قصاصتها يمكن وصفها اصطلاحا بالعامية الفصيحة لكثرة جريانها على ألسنة العامة. ويشير العبودي إلى أن تغيير أنماط الحياة من جيل لآخر والاحتكاك بالثقافات المختلفة دفع ببعض الألفاظ العامية ذات الأصول الفصيحة إلى التراجع وندرة استخدامها، فكانت النتيجة خسارة اللغة لمجموعات تصل إلى الألوف من الكلمات التي كانت حية ومستعملة في بلادنا، كأداة للتعبير عن الأفكار والمثل والحكم وحتى قيم المجتمعات العربية. وتحت عنوان «معجزة اللغة العربية» يعرض العبودي لتفرد اللغة العربية من حيث تكاملها نحوا وصرفا ومجازا واستعارة ومترادفات ألفاظها الضخمة دون أن يعرف الباحثون في اللغات بحثا ماديا مجردا لها طفولة، ولألفاظها الدقيقة ومعانيها الشاعر تطورا مسجلا وهو أمر نادر في اللغات الأخرى، إضافة إلى بناء ألفاظ اللغة العربية لقرون متتابعة من زمن البعثة المحمدية وقبلها وحتى الآن، وهو ما يعد معجزة لا يوجد في غير العربية من اللغات الأخرى والتي لا يعرف أهلها كيف كان أسلافهم يتكلمون في عصور سابقة.