أشعر بتعاطف كبير مع كل من أجبرته الظروف على التعامل مع مستشفياتنا وأنظمتها البيروقراطية، ينطبق عليها المثل الشهير «أحشفا وسوء كيلة»، فهي فوق أدائها غير المرضي وتقصيرها، تتعامل مع مرضاها وكأنها أحسن المستشفيات في العالم، تتعامل مع الإنسان وكأنه غير مؤهل أو عاقل أو يملك رشدا، إن كنت لا تصدق فاذهب إلى أي مستشفى حكومي واطلب منه تقريرا طبيا لك أو لمن تعول، لتصدم برفض يجعلك تشعر فعلا بأنك غير ذي أهلية ومرفوع عنك القلم لدرجة لا تخولك طلب تقرير «نيابة عن نفسك» لحالتك الصحية. ما لم أكن أتوقعه أن يصل هذا الوضع أيضا لمستشفيات الصحة النفسية، تخبرني إحدى الأمهات الفاضلات أنها عانت الأمرين ولم تخرج بتقرير طبي عن حالة ابنها النفسية لأنها تريد معالجته في الخارج، أخبروها بأن عليها أن تحضر طلبا من جهة رسمية، سألتهم أية جهة رسمية، فلم يخبرها أحد، قالت لهم ما ضرورة الجهة الرسمية طالما أني أريد علاج ابني في الخارج وعلى حسابي الخاص؟، أيضا لم يجبها أحد، لا يعرف أصدقاؤنا موظفو المستشفيات النفسية أن المريض الحقيقي الذي يستحق المساعدة والتعامل برقي هم أولياء أمر المريض النفسي، فهم يعانون الأمرين بشكل يومي من مراقبة مرضاهم ورفضهم تناول الدواء، أولياء أمور المرضى النفسيين يعانون أشد المعاناة مع مرضاهم من جهة، ومع أنظمة المستشفيات النفسية الحكومية من جهة أخرى، التي حتى وإن بذلت بعض الجهد إلا أنه جهد يتجاهل اندماج المريض مع المجتمع الذي يعيش فيه، الكثير من المرضى النفسيين وبالذات الذين يعانون من الانفصام أو أمراض شبيهة، يمارسون سلوكيات معينة في الشوارع والأماكن العامة مما يوقعهم في مشاكل كبيرة جدا، سواء مع رجال الأمن أو المواطنين ممن يجهلون حقيقة مرضهم، فيدخل ولي أمر المريض النفسي مع رجال الأمن أو المواطنين في توسلات ورجاء في ألا يضغطوا على مريضه المسكين حتى لا تنتكس حالته ويعاود طريق العلاج من جديد، لو كان ولي أمر هذا المريض يحمل بطاقة طبية لمريضه لما احتاج أن يحرج نفسه وكل يوم وآخر هو في رحلة توسل ورجاء. [email protected]