قرأت مقالة الكاتب خلف الحربي «ماسنجر مع محتسب!» في «عكاظ» بتاريخ 30/7/1430ه، وهو مقال قيم، وسواء أكان الحوار افتراضيا أم حقيقيا فقد تحلى بالشفافية، ومع أنني أؤيده في أجزاء كثيرة من مقاله، إلا أنني أخالفه في الوقت عينه في محاولته جر المحتسبين على الفساد الأخلاقي إلى الاحتساب على سرقات المال العام والفساد الإداري، إضافة إلى الاحتساب على الفساد في المجال الأخلاقي، فما أراه حقا أن يحتسب كل واحد في ما يتقنه ويجيده، فالاحتساب على ردع الأمور التي تخل بالعقيدة الإسلامية، وحماية أفكار الشباب وغيرهم يتم بوسائل ناجعة وأكثر فاعلية، بينما الذين يحتسبون على الفساد الإداري والسرقات العامة تتم في أغلبها على كتابة المقالات والتحقيقات الصحفية، وعلى نجاعتها إلا أنها وسيلة واحدة، مما يقلل فرص نجاحها، ثم هناك شيء آخر ألفت نظر الكاتب له وهو: أن فساد العقيدة والأخلاق أشد ضررا من فساد الدنيا، فلو خسر المسلم عقيدته وفسدت أخلاقه فقد يخسر الدنيا والآخرة، ولكن إن خسر شيئا من الدنيا وسلمت له عقيدته ودينه فستكون الخسارة محدودة، وهذا ما يفسر تحمس الكثيرين إلى الاحتساب في مجال الأخلاق والسلوك، وهذه نقطة أخرى أخالف فيها الكاتب عندما أشار إلى أن الفساد الأخلاقي قد يكون أكثر خفاء من الفساد الإداري، فالعكس صحيح، فمقاولات الباطن والرشوة تحتاج جهدا كبيرا لكشفها، لأنها تتخذ النظام ستارا لإخفائها، وصندوق إبراء الذمة أكبر شاهد، فهو يحتضن بين فينة وأخرى مبالغ بالملايين، فأين الاحتساب في كشفها قبل أن تصير هذه القروش في بطون هؤلاء السراق ؟، بينما المؤثرات السلبية على الأخلاق الإسلامية قد تكون معلنة بشكل لا تحتاج معه إلى جهد كبير في رؤيتها، ويتم الاحتساب عليها في ما يذاع وينشر ويكتب، وهنا أكرر أن كل واحد يحتسب في المجال الذي يقدر أن يحتسب فيه، فنحن في زمن التخصص، ولا أرى أن يكون الواحد «كشكولا» ! ولكن ما أتمناه حقيقة أن تعط وسائل الإعلام بأنواعها صلاحية أكبر في ممارسة الرقابة على المال العام وكشف الفساد الإداري، حتى يصير في مقدور الكاتب أو الصحافي أو المذيع أن يعلن صراحة بقوله: «مصادري الخاصة»، «دون ملاحقة أو تضييق لكشف مصادره أو أذيته، فهو عندما يطرح تساؤلاته حول أي قضية اعتمادا على رؤيته الخاصة والمعلومات التي حصل عليها، إنما يهدف إلى رفعة وطنه ورقيه، وما على الجهات محل النقد إلا أن تعامله على هذا الأساس، ثم ترد وتبين موقفها من نقطة النقد بكل صراحة وشفافية، ولكن ما يحصل الآن هو: مراوغة وإشارات عابرة لا تفي بالغرض، وما مقالك موطن تعليقي إلا من هذا النوع ! بقي لدي سؤال محير كتب عنه كثيرا إلى درجة الملل وهو: أين هيئة مكافحة الفساد التي أعلن عنها ؟ فلو ظهرت للنور فستقوم بدور جليل لخدمة وطننا وازدهاره. عبد الرحمن علي حمياني المخواة