اجتمع ثلاثة من الكذابين، فقال الأول: لقد زرت بلدا باردا جدا لدرجة أنني أنام وعندما استيقظ أكون عبارة عن قالب ثلج فيحملني صاحب الفندق إلى خارج الفندق حتى إذا أشرقت الشمس ذاب الثلج من على جسمي ومشيت ! وقال الثاني: هذه البرودة لا تقاس بالبلد الذي زرته فقد قمت بزيارة بلد بارد جدا لدرجة أن لهب الشمعة يتثلج ! فرد الثالث: وهذه البرودة لا تساوي شيئا أمام البلد الذي زرته. فقد زرت بلدا قارس البرودة لدرجة أن أصواتنا كانت تتثلج فنقوم بتسخينها على النار لنسمع ماذا قلنا! لا يحتاج الكذب إلى برودة اليوم ولا سخونة كذلك. بل لا يحتاج الكذب إلى نكات لكي يضحك القراء ولكن ربما ليعرفوا فداحة الكذب ووقاحته وأحيانا خفة دمه أو ثقل دمه لا أكثر! وحتى الآن نحن في الكلام المعقول عن الكذب. غير أنني قرأت قبل أيام كلاما لا يصدقه عاقل وإن صدقه فقد يبدو نوعا جديدا من الكذب بأحد ألوانه المشهورة مثل الأبيض والأسود والأخضر ! المهم أن الكلام الذي قرأته يدعي أن الإنسان يكذب في اليوم عدة مرات دون أن يدري. بل إن الكذب قد تحول إلى جزء من الحديث اليومي بين الناس وخاصة في السنوات الأخيرة. وهو يأخذ أشكالا متنوعة ومبهمة. فالنساء على سبيل المثال، حسب دراسة استمرت عشر سنوات على مئات الكذابين في أوروبا، يكذبن على الدوام حول أعمارهن وأوزانهن ومظهرهن وحول مظاهر التجميل كالجراحات والملابس وغيرها. كما يكذب الرجال في المبالغة في أهمية أعمالهم وأفعالهم وإنجازاتهم. وليس ذلك فقط بل أصبح الكذب يدخل في كافة تفاصيل حياتنا اليومية ويلعب دورا محوريا في كل شيء من الحروب إلى الانتخابات إلى بورصات المال وغيرها. وأهم ما تم اكتشافه هو أن كل إنسان في العالم يكذب بطريقة وبأخرى حتى لو أنه لم يشعر بذلك. فالأطفال يكذبون بنسبة 95% ويبدؤون في الكذب وهم في سن مبكرة تبدأ من السنتين فقط! والكذب حسب هذه الدراسة يتغلغل وبشكل خفي في اللاوعي الإنساني فيصبح عادة يومية لا يشعر الإنسان بها أبدا. فالرجال يرغبون في سماع كلمات عن إنهم خفيفو الظل وأذكياء وترغب النساء في سماع كلام عن جمالهن ورقتهن وعن إن الرجال يجنون المال ويرغبون في الزواج منهن وإنجاب الأولاد. وهكذا فالناس يحبون الكذب ويرغبون فيه إذا كان مديحا أو تطابق مع أفكارهم.. وأخطر من ذلك تؤكد الدراسة أن الكذب أسهم في التطور وكان له دور بارز في تطور الحضارات ! بقيت كلمة واحدة وهي أن الناس حولنا كذبوا حتى شبعوا ومع ذلك لم تتطور الحضارة عندنا بل أبيدت بسبب الصدق!! [email protected]