«الفيس بوك، التويتر، النيت لوج»، هذه بعض أشهر المواقع الإلكترونية التي زاد فيها عدد الأعضاء من المملكة بشكل كبير خلال الأشهر الماضية، وهو ما يسجل نمواً جيداً للتقنية الإلكترونية لدينا، ولكننا نجد على النقيض الآخر أن الكثير من روادها ينشغلون بها عن واجباتهم الأسرية، وهو ما يشكل خطرا على ترابط الكثير من الأسر السعودية، وما يترتب على ذلك مستقبلاً من تأثيرات تلحق بالأسرة. ساهمت التقنية في تأسيس هذه الفجوة وزيادة حجمها وذلك بسبب عدم الوعي الأسري الكافي للتعامل مع مثل هذه الأداة العصرية، فاندفع المراهقون بالدرجة الأولى ثم الشباب والآباء والأمهات إلى استخدام تلك الأدوات لإشباع حاجات داخلية في أنفسهم في وقت انعدمت فيه القدوة وفترت العلاقات بين الأسر وقلت صلة الأرحام والترابط الأسري فازدادت المشكلات ودقت ناقوس الخطر على جميع الأصعدة النفسية والاجتماعية والاقتصادية. «عكاظ» ناقشت قضية أثر التقنية في الترابط الأسري والآثار السلبية التي تتركها على الأسرة والمجتمع مع الشباب والفتيات وأولياء الأمور والمختصين في سياق التحقيق التالي: ومما يزيد من حجم المشكلة الدراسة الحديثة التي كشفت عن ارتفاع استخدامات الإنترنت في المملكة بحيث وصلت إلى ما نسبته 36% من السكان خلال العام 2008م مقارنة ب 30.5% في العام 2007م. وأكدت الدراسة أن 49% من المساكن في المملكة يوجد بها حاسب آلي مكتبي أو محمول، وألمحت الدراسة إلى أن انتشار الحاسب المحمول وصل إلى ما نسبته 60%، وبينت الدراسة إلى أن المملكة حققت نمواً كبيرا في خدمات الإنترنت، وارتفع عدد المستخدمين إلى 9.6 مليون مستخدم. كما قدرت غوغل العالمية عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة بما نسبته 27% من السكان، مشيرة إلى أن السوق المحلي قابل للنمو والتطور في مجال الإنترنت خلال السنوات المقبلة بشكل كبير، فالمشكلة ليست باستخدام الحاسب الآلي لكنها تكمن في الاستخدام السيئ لهذه التقنية. أكد ماجد عبدالقادر، طالب في المرحلة الثانوية، إلى أنه لا يستطيع أن يعيش بدون الإنترنت، على الرغم أن مستواه الدراسي منخفض بسببه، ولكنه لن يتركه، مشيرا إلى أنه يقضي عددا كبيرا من الساعات عليه، ووافقه الرأي خالد محمد، طالب في المرحلة الجامعية، حيث قال: «أصبحت بيتوتيا بفضل الإنترنت ولا أخرج إلا للحاجة الضرورية التي تحتم علي الخروج، كأداء الواجبات الدينية، وتسديد فواتير الإنترنت». وخالفتهم الرأي سامية منصور، طالبة في المرحلة الثانوية، حيث قالت: «أنا أرى أن الإنترنت له فائدة عظيمة، لإني أتعلم منه في كل يوم أمراً جديداً في حياتي، ولكن من الخطأ أننا نجعل استخدامه يشغل كافة ساعات اليوم، وبهذا نقطع أواصر العلاقة مع الأهل والأصدقاء، فربما لو حدث هذا سوف نجده يؤثر على علاقتنا بهم، بشكل كبير، وهذا ما سيشكل أمراً سيئاً لنا». الونيس الوحيد وعلى الرغم من اعتراف البعض من مستخدميه بأضراره ولكنهم يؤكدون أنه يعتبر الونيس الوحيد لهم فتقول، بنان ناصر «يعتبر الإنترنت هو الونيس الوحيد لدي في هذه الحياة، وهو الوحيد الذي أستطيع من خلاله أن أنسى كل ما يؤثر علي في الحياة»، ووافقتها روعة عبدالله حيث بينت أنها تعاني كثيراً من الإنترنت بسبب إنشغالها عن أطفالها ولكنها ما زالت تستخدمه بحكم أنه الوحيد الذي يؤنس وحدتها. ولكن دانة عصاصة، وهي أم لطفلين، أكدت أن للإنترنت فوائد ومضار كثيرة ولكن من الخطأ أن نجعل همنا الوحيد في الحياة هو الإنترنت، فيجب علينا أن نخصص عددا محددا من الساعات اليومية له، وأخرى لقضائها مع الأسرة، وأخرى للتنزه مع الأصدقاء، وبينت أنها من عشاق الإنترنت ولكنها تستخدمه في وقت فراغها، ولا يشغلها عن الاهتمام بأسرتها. البلاك بيري أبرزها وبين أستاذ كلية التربية في جامعة الملك سعود الدكتور محمد بن محمد الحربي، أنه يجب علينا الإقرار بأن للتقنية فوائد وإيجابيات جمة، وخاصة ما يتعلق باستخداماتها المتعددة في مجال التعليم الإلكتروني، والتعلم عن بعد، إضافة إلى استخداماتها في إجراء التعاملات الإلكترونية الإدارية والاقتصادية، مضيفا «نجد أن الجانب غير الإيجابي في انتشار التقنية الرقمية بمختلف أشكالها، يظهر في تأثيرها على كل من الفرد، والأسرة، والمجتمع، فقد ينعكس أثرها سلباً على الفرد عندما تكون شغله الشاغل عن واجباته التعليمية، والعملية، وهو ما نشاهده في انشغال بعض الطلبة والآباء والأمهات بمتابعة الفضائيات، واستخدام الإنترنت، ومواقع التواصل، كموقع الفيس بوك، وموقع تويتر، وأضيفت إليها في أيامنا الحالية صرعة أجهزة البلاك بيري لساعات طويلة، يتحول الفرد بعدها إلى شخص منعزل عن أسرته، ومجتمعه المحيط به. تواصل SMS وزاد «يؤكد ذلك تخلي بعض الآباء عن مسؤولياتهم الأسرية تجاه أولادهم وزوجاتهم، ليتولى القيام بها الخادمات والسائقون، وهم بذلك لا يلتقون بعضهم البعض إلا في أوقات محدودة، أو خلال المناسبات، وقد لا يلتقون مطلقاً، وهو ما يؤدي بالتالي إلى التفكك الأسري، وكثرة الجرائم، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، كنتيجة طبيعية لانشغال كل فرد في الأسرة بحياته الاجتماعية الخاصة، بعيداً عن بقية أفراد الأسرة». ويؤكد أن سلبياتها تكمن في «انعكاسها وآثارها على العلاقات الزوجية التي دخلت فيما يعرف بمرحلة البرود العاطفي، نتيجة لانشغال الزوج والزوجة بتوثيق ومتابعة صداقاتهم الإلكترونية، إضافة لإنجاز كثير من معاملاتهم التجارية عن طريق التقنية الرقمية، وخاصة تداولات الأسهم التي تحظى بالنصيب الأكبر من وقت معظم أفراد الأسرة». كما بين أن لها الآثار الجمة على المجتمع فيقول: «وآثارها السلبية على المجتمع، هي متوقعة نتيجة لما يحصل داخل الأسرة من استخدام سيئ للتقنية الرقمية، وذلك لأن الأسرة هي المحور المفصلي للمجتمع، فما يحدث للأسرة ينعكس سلباً، أو إيجابا على بقية المجتمع، وهو ما نلحظه من قلة التواصل الاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة، والعائلة والأقارب، فضلاً عن القطيعة بين الجيران، مما أسهم في ندرة المناسبات الاجتماعية حتى في الأعياد قد لا نتذكر بعضنا البعض إلا برسالة SMS ، أو برسالة البريد الإلكتروني، وأحدث ذلك فجوة بين الفرد وأسرته». حلول مقنعة وشدد الحربي على أنه إذا اعتمدنا على مبدأ الإقناع، وليس الإجبار فإننا سنجني ثمارا إيجابية، موضحا ذلك بتوعية أفراد المجتمع، وخاصة من هم في مرحلة الشباب، بأساليب الاستخدام الأمثل للتقنية، بما ينعكس إيجابا على تحسين مستوى الطلبة تعليمياً ومهاريا، وتوضيح الآثار السلبية لاستخدام التقنية على الأسرة والمجتمع، وتوظيف التقنية لخدمة أهداف المجتمع، وخططه التنموية، وتشجيع الشباب على الاستفادة من المواقع الإلكترونية، والمحطات الفضائية لزيادة الثقافة الشخصية في مختلف المعارف، وإبراز الدور الحضاري للمملكة ودورها الريادي على مختلف الأصعدة، ويمكن لنا على مستوى الأسرة أن نتبنى يوماً خالياً من التقنية بمختلف أشكالها وألوانها، ويسهم هذا في إعادة الدفء للعلاقات الأسرية بما ينعكس إيجاباً على بقية مؤسسات المجتمع». إنعزال بشري ويؤكد الإعلامي بدر اللحياني، على أن التقنية تظل بكل أبعادها الثقافية والمعرفية من أهم أدوات التواصل بين الناس، وحولت العالم جميعه إلى كوخ صغير، ولكن يحدث أن تتحول وسائل المعرفة والتواصل إلى قطيعة ثقافية شديدة بين الناس، فانتشار الجهاز المحمول والجوال وغيره من التقنيات جعل الفرد يعيش وحيدا بين جماعته البشرية ويتواصل ويتناغم بعيدا عن معارفه المحيطين به، ويضيف: «نجد أن البعض منا أصبح مدمنا على التقنية بحيث يعيشون في عزلة بشرية على الرغم من تواصلهم الشديد مع الجهات المعنية بمشربهم، ولكن إصرارنا على أن التقنية تقوم بهذا الدور أمر مبالغ فيه. وبين أن الإسراف في تناول التقنية الحديثة وتوظيفها في مجالات التسلية الهائلة سوف ينعكس على حصول قطيعة شديدة ما بين الأسر والجماعات بسبب انشغال هؤلاء بضبط علاقاتهم الرقمية مع اتساع شديد في تنوعها وأصبح الحضور فقط بالجسد دون الروح كما نلمسه اليوم بين أفراد المجتمع.