قمة الإحباط النفسي أن يتمسك الغريق بقشة؛ عسى أن توصله إلى بر الأمان، والقضية ليست بالقشة وإنما في قلة حيلة ذلك الغريق وانعدام خياراته لتصبح القشة نافذته المعلقة بين الحياة والموت. بيننا الكثير من الغرقى، تلاطمتهم أمواج المجتمع وبعض تعقيدات الأنظمة ووقوف المتفرجين على ضفاف الساحل يتراهنون: سيغرق أم لا؟، وهذا ما لمسته بشكل جلي في الردود التي وصلتني على مقال «دكتاتورية الدكاترة» التي حملت النقيضين تماما، طرف الطلاب في بيئة التعليم العالي الذين تفننوا «من حر الألم» في سرد تراجيديا البقاء، وطرف «الدكاترة» الذين اتهموا المقال بالمبالغة وإطلاق الأحكام على حوادث فردية. حسنا، قد أكون مبالغا في وصفي لبعض نفسيات «الدكاترة» وتطرفهم السلوكي دون مراعاة للقيمة الإنسانية التي يشترك فيها الطالب مع أستاذه على حد سواء، وليس من المطلوب في العرف والمنطق أن يتفق جميع الطلاب على حب أستاذ، إذ المعيار الفاصل في عملية التقويم هو مدى قدرة المكلف على إنجاز مهمته التي تمثل بعدا أخلاقيا وتربويا قبل أن تكون بعدا أكاديميا، ومكمن المشكلة يرتكز على عملية التفريق بين الأداء الوظيفي والأداء السلوكي، وبناء على ذلك سيكون المنتج النهائي خاليا من عنصر القبول عند المتلقين، فالمسائل السلوكية الهامشية عند بعض الأساتذة كالمحاباة والمجاملة وتلمس العذر واللفظ الدارج لا يمكن أن تمر على المتلقي دون عملية فرز وسؤال: لماذا استخدم هذا الأسلوب معه ولم يستخدمه معي؟، فضلا عن عدم قدرة بعض العقول الأكاديمية على تجاوز حقبة «الجيل الذي لم يكبر»، وبالتالي استفحال سطوة القمع للحراك الفكري المتقد عند أي شاب الذي يدفعه إلى النقاش والسؤال، الأمر الذي يولد ردة فعل تلقائية عند الطرف الآخر المستحوذ بحكم المنصب والتصنيف، وتستحثه إما إلى النقاش وإما إلى «ما بقى إلا أنت يعلمني شغلي»!. القضية التي يجب استيعابها في ميادين التعليم وعلى الأخص التعليم العالي أن المسألة ليست منهجا ومقررا ينتهي بانتهاء الفصل بمقدار التكليف بصناعة الإنسان والاستثمار فيه، وحتى لا يكون استثمارنا «خشاشا» لا مجال لربحه لا بد من تغيير النظرة الدارجة اجتماعيا حيال الجيل الجديد واختلافه الجذري عن أجيال سبقته وعيا وإدراكا، فمسألة التمييز والفرز لديه أضحت من الأمور الاعتيادية وما يدور في كواليس عقله صدقا لم نجرؤ في أيامنا على مجرد التفكير فيه، الأمر الذي دفع أحدهم إلى إرسال تعقيب مختصر على المقال السابق «قبل أن يفخروا بصناعة ما، ليفكروا كيف نصنع الإنسان». [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة