عندما أطلق الشاعر طلال حمزة وصفه الجميل والدقيق عن جدة «جدة غير» في قصيدته الشهيرة التي ألقاها للمرة الأولى في أمسية جمعته بمحمد الرطيان ومهدي بن سعيد... ونظمتها صحيفة المدينة في جدة ذات صيف، كان قد أهدى نيابة عنا أجمل تعبير عنها، يدلل على اختلافها عن غيرها حتى ليكاد هذا الاختلاف يكون سبب قبول قسوة طقسها الحار القائظ المتجاوز للخمسين درجة في بعض الأحيان، كما كان في أيام قليلة خلت. ومن دلائل اختلاف هذه العروس المدللة، أن رحال الاصطياف تشد إليها من مدن أجمل طقسا وأكثر برودة داخل المملكة إلى جحيمها الجميل، ومن اختلافها تحمل المصطافون إليها كل تلك الاختناقات المرورية «العجقآت»، بسبب البثور والكدمات في شوارعها، بل والعمليات الجراحية المعقدة التي يحتاج أطباؤها.. عفوا مهندسوها إلى سنوات تصل لخمس وست في بعض التقاطعات، حاول باجتهاد منك أو بصحبة ثلة من رفاقك والأصدقاء لتجد خصائص جدة التي تجعلها أو لنقل جعلتها مختلفة كل ذلك الاختلاف، حتما لن تجد كلاما محسوسا متضحة علاماته وبنوده، لكن رغم ما سيضنيك من بحث وتفكير ستخرج في النهاية بكلمة «غير». هي مدينة تستحق بالفعل هذا العناء فتأريخيا كانت جدة قد أقضت مضاجع الكثير من الباحثين في كونها المدينة التي يحوي ثراها جثمان أم البشر حواء، كما أن الباحث والمؤرخ صاحب مجلة «المنهل» عبد القدوس الأنصاري«رحمه الله» دخل وكثيرون من أبناء جيله في جدليات «جيم» جدة المفتوحة أو المضمومة أو المكسورة، وتوصل كثيرون إلى جواز نطقها بالحالات الثلاث رغم تحفظ البعض، ظلت وستظل جدة في كل شيء فيها مكان جدل وأخذ ورد، لكني أخال جدة واختلاف جدة كان ويكون دوما بأهلها الطيبين المغسولة قلوبهم وأفئدتهم بماء بحيرة الأربعين.. نعم فالماء المالح يجلي كثيرا من الصدأ الذي يعتلينا من حين لآخر حتى أن جداتنا اتخذنه «أو قليلا من الماء بالملح» دواء لنا.. لعيوننا ولآذاننا وأحيانا ماء البحر أو الماء المملح مع ليمون للتخلص من حالات الغثيان في كثير من الأحيان. وأخيرا لك أن تصدق، أن جدة غير بالفعل أو عليك أن تجبر على الإيمان عنوة بأنها غير. فاصلة: اقتطاف من حنجرة محمد عبده ووجدان مسلم البرازي وموسيقى محمد محسن: «حبيبي مرني بجدة... تزول عن قلبي الشدة منى عمري يطول عمري عشان نقضيه سوى في جدة».