تعتبر أزمة المخاطب في الوطن العربي من أشد الأزمات فتكا بالثقافة العامة، ومن أكبر العوائق أمام الانفتاح الفكري والخروج من عباءة التخلف المعرفي، ذلكم التخلف الذي يضرب بأطنابه في ثنايا الفئات المتوسطة من الشعوب، لأن المخاطب ارتضى لنفسه مستوى معينا من المعرفة أقام عليها ردحا من الزمن، و لم يرتض لنفسه أن يبحث عن البديل أو يشغل تفكيره حتى في إمكانية وجود الأفضل، باعتبار أن ليس في الإمكان أفضل مما كان. ومما زاد في هذه الأزمة اقتناع (المخاطب) صاحب الخطاب نفسه بأن هذا المخاطب لا يمكن أن يرتقي فكره إلى الأفضل أبدا، لذلك تجد أن لغة الخطاب، و إن تغيرت، فإن أركانه المادية وعناصره الأساسية باقية على أصلها منذ عقود متتالية. تبادر ما ورد أعلاه إلى ذهني و أنا أتأمل في إنجاز جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية كأكبر إنجاز حضاري للدولة في العصر الحديث، بما يشمله هذا الإنجاز من تسارع في عجلة الزمن نحو التقدم الحضاري في مجال العلوم والتقنية، وقفز بالمملكة خطوات وثابة نحو القمة في هذا المجال المعرفي الذي لا غنى عنه لكل دولة، و كيف أن رائد هذا الإنجاز وصاحب الشعلة الأولى لفكرته، والتي كانت ملء السمع والبصر بالنسبة له، عندما انطلقت فكرته إلى أرض الواقع أراد لها كما صرح حفظه الله، أن تكون منارة علم و هدى للناس، ومعروفا من هذه الدولة المباركة إلى البشرية جمعاء.. كما تأملت في إطلاق اسمه رعاه الله على الجامعة؛ الذي إنما جاء تشريفا لها وتتويجا لمسارها في الطريق المستقيم المرسوم لها خطوة خطوة، و كان لهذا الاسم، بلا شك، الدافع الأسمى لدخول هذه الجامعة إلى القلوب قبل العقول، لما يكنه الناس جميعا لصاحب الاسم من محبة ومودة لا مزايدة عليها. وبعد هذا التأمل ، تأملت خطأ وقعنا فيه، بلا قصد، ألا و هو الحيدة، كثيرا، عن اسم الجامعة الأصلي: (جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية) إلى الاسم المختصر (كاوست kaust) اختصار لمسمى الجامعة باللغة الإنجليزية:King Abdullah University of Science and Technology و ملاحظة هنا: أن الاختصار بالحروف الأولى من الأسماء ليس من أدبيات اللغة العربية، أما اللغة الإنجليزية فهي أساسا تعاني دائما من أزمة مصطلحات، تحتاج كثيرا للتجديد، و لا يعول عليها في الاستمرار والديمومة، و لذا يعرف المهتمون بالترجمة أن لكل فن من الفنون لغته وترجمته الإصطلاحية المتخصصة المتجددة، فيتحدثون دائما عن الترجمة القانونية، والترجمة الطبية... إلخ لكن المشكل هنا: أن في إشاعة استعمال اسم الجامعة بهذا المصطلح (كاوست) لا يستحضر شرف اسم رائدها ومؤسسها، وذلك واضح معلوم، فإن اسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله رائد ومؤسس فكرة الجامعة، معروف لدينا نحن المعاصرين لنشأتها، ومحفور في أذهاننا، لكن النشء القادم بعد عدة أجيال سوف يستقر في ذهنه اسم (كاوست). مشروع حضاري يمثل منعطفا تاريخيا في تاريخ الدولة، بل يحق لنا أن نصفها بأنها أضخم مشروع علمي في العالم في العصر الحاضر، وهو مشروع في بداياته وله ما بعده، إذ سيكتب التاريخ، بإذن الله، لهذه الجامعة أنها أنارت الطريق أمام فتوحات علمية ستسبغ نعمها على العالم، في عمر مديد لها يمتد عدة قرون، كحال كثير من الجامعات العالمية التي نراها اليوم ويعود تأسيسها لقرون خلت. ومن هنا فإننا نرفع رجاءنا إلى القائمين على هذه الجامعة، بأن يبقى الاسم الرسمي للجامعة كما هو (جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية) بجميع اللغات الحية المتداولة، سواء على مستوى المخاطبات الرسمية، أو في الإعلانات، أو في الأخبار الصحفية، حفظا لحق الأجيال في تذكر اسم مؤسسها والدعاء له دوما بالأجر والثواب على هذه المنحة والصدقة الجارية، التي يعم نفعها وخيرها كل بلاد العالم. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 274 مسافة ثم الرسالة