على مائدة مقهى للوجبات الخفيفة، أخذت أتأمل ثلاث فتيات غجريات جلسن على الرصيف المقابل يتناولن قطعا من الخبز الناشف، فيما كان طفل لإحداهن لم يتجاوز عمره السنوات الثلاث يجري خلف أسراب الحمام يطاردها من مكان إلى آخر. كانت سحنة الأيام الصعبة قد طبعت وجوه الفتيات الشابات حتى كادت تمحو ملامح شبابهن، بينما كان الصغير يلهو ببراءة تحركها طفولة لم تعركها الحياة بعد ولم تحدد للصغير موقعه من غدها!! لم يكن الصغير يختلف كثيرا عن طفلي الذي لا يفرق عنه في العمر، لكن مسافات بعيدة فرقت بينهما في مساحات الحياة. لم أفهم يوما سر هذه القبيلة الغجرية التي تجد لها في كل بلد بطنا، تجمعهم نفس العادات الاجتماعية والصفات الإنسانية وتقاطيع الوجوه، حتى تحسب أنهم جميعا أخوة لنفس الأب والأم، ويملكون طباع من يعيشون في بيت واحد!! كانت كل واحدة من الفتيات الثلاث قد عرفت مكانتها في مسرح الحياة، وأدركت أنها تنتمي إلى الرصيف المقابل للمقهى الذي يجلس عليه بشر آخرون، تأكل كما يأكلون ولكن ليس نفس ما يأكلون، أما هذا الصغير الذي كان يكاد يحلق كالحمام الهارب إلى الفضاء من مطاردة، فلم يكن قد عرف بعد موقعه من هذه الحياة ومن يعيشون عليها، غدا عندما ينمو ويتعرف على الفارق بين المقهى والرصيف سيتمنى لو أنه كان الحمامة ولم يكن الصغير، فعلى الأقل عندما يحلق الحمام لا تحدد له السماء الخطوط ولا تضع الفواصل!! [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 153 مسافة ثم الرسالة