«نار بعدك يا حيبي.. نار والله نار» قصيدة شهيرة للشاعر الراحل حسين أبو بكر المحضار غناها الفنان أبو بكر سالم بلفقيه لتبقى عالقة في أذهان محبي الكلمة الجميلة، ومما جاء فيها: علي رفعت الرأس هذا تيه أو كبره او ذا دلع ودلال قول لي خلنا ندره. حبل الهوى ما بيننا ارهف من الشعرة حذرك تجر بالبار نار بعدك يا حبيبي نار والله نار يسأل المحضار في الأبيات السابقة المحبوبة بصيغة المذكر عن الأسباب التي جعلتها تزهو وتشمخ وتتعالى وترفع رأسها عليه؟! هل يا ترى بسبب الكبرة، أو التيه، أو الدلع، أو الدلال، أو بسبباه جميعا؟! ثم يستطرد الشاعر متذللا وشاكيا بعد حبيبته عنه الذي تحول إلى نار تشتعل في وجدانه وتحرق قلبه وأحشاءه وحذر من شد حبل الهوى والعشق أو جره بقوة لأن هذا من شأنه أن يقطع حبل المودة والحب الذي هو أرهف من الشعرة وأرق من الخيط الرفيع، والمتأمل في تلك الصور يجدها في منتهى الرقة والرفاهة والشاعرية، وتعبير عاطفي يعبق بمسك الإحساس بالحب ويتضوع برياحين العشق المتمايل في أفياء الوجدان وظلال القلب الصادق في حبه وعشقه. الأديب الشاعر «جبران خليل جبران» قال «الحب كخيط الحرير الذي يربطنا قلبا إلى قلب. إذن الحب عند جبران كخيط الحرير وعند المحضار أرهف من الشعرة التي هي أرق من خيط الحرير، والشاعران ينهلان من نبع واحد هو نبع الحب الصادق والمشاعر الرومانسية.. فلماذا يحذر المحضار محبوبه بقوله: حذرك تجر بالبار؟ أي بالقوة والشدة. أجل فالهوى الذي يعانيه الشاعر لم يكن هوى طارئا عابرا كسحابة صيف، ولكنه كان حبا متعمقا في وجدانه، نام مع الشاعر منذ الطفولة، وتعمقت جذوره في تربة قلبه وانبسطت أغصانه في فضاء روحه، لذلك فالشاعر يحرص على استمرار الحب وديمومته لا انقطاعه، ويحرص على لقاء المحبوبة ليجود لها بوده وتجود له بودها، يريدها ليبث لوعته لها وتبث لوعتها له. إنه لا يعرض بشيء ولا يطمع في شيء ولا ينظر بعين في شيء إلا أن يكون في هذا اللقاء بث اللواعج المكبوتة وتنفيس عواطف الحب الطاهر، ويعبر المحضار بهذا عن صفة أصيلة وقيمة خلقية عليا هي العفة في تبادل مشاعر الحب النقي الصافي الشريف الذي يسمو بالأحاسيس والمشاعر ولا تطغى فيه الغرائز والاهواء. لذا فحرص الشاعر على قرب المحبوبة وديمومة الحب وسرمديته وبقائه نابضا حيا متألقا لتحقيق غاية الصفاء والوفاء في الحب، والشرب من كأس السعادة فيه انطقه بالقول: حبل الهوى ما بيننا ارهف من الشعرة حذرك تجر بالبار.. نار بعدك يا حبيبي.. نار والله نار.