بدت الملامح الأولى في نقطة تحول عمل الصحافة الفنية المتخصصة محليا من مجرد اجتهادات، وتقديم مواد الفن في صفحات منوعات إلى ظهور صفحات فنية متخصصة يومية، في نهاية السبعينيات الميلادية إلى أن اتضحت تماما في مطلع الثمانينيات. التجارب الأولى التي كانت تظهر على استحياء كان أبطالها عديدين منهم لطفي زيني، وزيني عبدالغفار، وحمدان صدقة، ومحمد رجب، وأيضا عبدالله الجفري، ومحمد طلعت، وهاني فيروزي والكثير غيرهم. هنا كانت شخصية محورية عملت في العهدين منذ بداية السبعينيات الميلادية حين أينعت زهور العمل الصحافي الفني المحلي، وواصل عمله بل وصناعة صحافة فنية متخصصة «تملأ العين» معطيا إياها كل جهده وعمره إلى أن رحل بعد حالة مرضية عاشتها معه أسرته وأولاده والمجتمع الصحافي والأسرة الفنية. ضيف هذا الأسبوع أستاذنا الراحل جلال أبو زيد الذي يعتبره الكل المؤسس الحقيقي للصحافة الفنية المتخصصة في المملكة. من هو جلال أبو زيد اسم فاعل في الحياة الإعلامية والفنية المحلية ورائد صاحب بصمة. اسمه «محمد جلال حلمي أبو زيد» من مواليد بورسعيد في 23/7/ 1946، أقام والده في المملكة وعمل في التجارة وتحديدا في نقل الحجاج من بورسعيد إلى جدة، وكان يملك باخرة مع شريك له «لبناني»، وجاء جلال إلى جدة وهو في العشرينيات من عمره، بعد تخرجه من «تجارة» جامعة القاهرة. ترتيبه بين إخوانه الأول «جلال، سمير، منيرة، نعيم، ناهد، حلمي، منى، جمال». أما أبناؤه من زواجه الوحيد الإعلامية السعودية منى فؤاد شاكر، فهم: مازن والراحل خالد وثلاث بنات، بينما كان له ابن ثالث في الترتيب اختار له اسم أقرب أصدقائه وتحديدا صديق عمره طلال مداح، إلا أنه توفي وهو في شهره الأول. فور قدومه إلى جدة عمل محاسبا في «العيوطي.. محاسبون قانونيون» إلى جانب عشقه الأدبي والعمل في الصحافة الفنية، وتحديدا كان عمله الصحافي في صحيفة «عكاظ» منذ منتصف ستينيات القرن الميلادي المنصرم، ثم انتقل عمله إلى بنك الرياض، حينما كان فرعه الوحيد في جدة في نهاية شارع الملك عبدالعزيز جوار بنك «ملي ايران». وفي هذه المرحلة تزامل في بنك الرياض مع زميلنا الإعلامي الكبير أحمد سعيد مصلح. ثم عمل مدير مبيعات لدى القزاز «عطورات وتجميل»، ثم شركة الكمال للأدوية التي انتدب فيها مديرا لفرع المنطقة الشرقية«الدمام»، وانتقلت أسرته معه لعامين عمل خلاله أيضا في عشقه الصحافي في صحيفة «اليوم» التي تصدر من هناك، ثم انتقل عمله إلى إدارة فرع الكمال في الرياض لمدة عام، وعمل خلالها صحافيا في صحيفتي «الرياض» و«الجزيرة». توفي والد زوجته فؤاد إسماعيل شاكر في 1392/1972 الذي كان رئيس التشريفات الملكية في عهد الملك المؤسس المغفور له عبدالعزيز بن عبدالرحمن، وكان أيضا رئيسا لتحرير صحيفة البلاد ورئيسا للجريدة الرسمية أيضا «أم القرى»، وعاد للعمل في جدة، حيث بدأ الركض مجددا في صحيفة «المدينة» منذ العام 1395/1975، إلى أن جاء دوره ليشارك في تأسيس وانطلاقة ملحق «الأربعاء»، إلى جانب عبدالله جفري ومحمد صادق دياب وعلي الحسون ويحيى باجنيد وعلي خالد الغامدي، ويعين سكرتيرا لتحرير «الأربعاء» بمباركة الراحل أحمد صلاح جمجوم وأحمد محمود. التميز والآثار قدم جلال أبو زيد في مشواره مع الصحافة الفنية الكثير من عوامل التأسيس لعمل صحافي كبير ساعد أبناء الجيل الحالي للتميز، وأعد الكثير من البرامج التلفزيونية المنوعة والفنية منها البرنامج الشهير في السبعينيات الميلادية «ألوان» الذي قدمه فؤاد سندي، أيضا أعد غيره من البرامج منها برامج مسابقات وهواة وغيرها، الأمر الذي جعله يقدم لساحة الفن الكثير من الأسماء في الساحتين الفنية والإعلامية، إعلاميا قدم الكثير الذي يتوازى مع بياضيه في قلبه ورأسه. وأذكر له دعمه لمسيرتي الصحافية منذ بدايتي حين توخى أن سآتي بشيء، وطالما دعمني كقلم مقبل، كذلك قدم أسماء عديدة لهذا المجال منهم: سعود سالم قبل أن يدخل عالم كتابة الأغنية، ووحيد جميل الصحافي الشهير في «سيدتي» اليوم، والراحل محمود الياس وغيرهم كثيرون لم يستطيعوا المواصلة. له كتاب مخطوط عن صديق عمره طلال مداح لم يطبع حتى الآن رغم مضي 16 عاما على وفاته وعشرة أعوام على وفاة طلال. لطفي ودردير الكثير من المناسبات الثقافية والفنية في العالم العربي واكبها الراحل جلال أبو زيد منها تصوير العديد من الأفلام المصرية في لبنان مثل «أبي فوق الشجرة» مع عبدالحليم حافظ وعماد حمدي وميرفت أمين، والشاعر الغنائي الذي غادر دنيانا قبل أسابيع محمد حمزة، كما حضر افتتاح استوديوهات زيني فيلم في تونس إلى جانب صديقه الراحل لطفي زيني، الذي كان له الفضل الكبير إلى جانب صديقهما المشترك حسن دردير في تعريف جلال على نجوم الفن السعودي، والحياة الاجتماعية السعودية. أما صداقاته الأكبر فكانت مع الراحل طلال مداح الذي جايل جلال في بدايات انطلاقته الفنية، حيث كان جلال الوحيد إلى جانب لطفي زيني الذي بإمكانه أن يكتب حياة طلال مداح للتلفزيون أو في كتاب. إنجازات ومناصب حياة جلال أبو زيد الإعلامية حفلت بالكثير مما لا تحتمله صفحة عن حياة نجم، حيث كانت كل المناصب التي تولاها لا تنتهي إلا بإنجازات كبيرة، وأهمها عندما تسلم عمله كمدير للإعلام والنشر في جمعية الثقافة والفنون التي فعل أنشطتها بشكل كبير، وفتح باب زيارة كبار الفنانين العرب إليها، وعلى وجه التحديد كان أهم زوارها بليغ حمدي وعادل إمام. رحلة لندن في سني عمره الأخيرة انتقل للعمل في صحيفة الندوة، حيث تسلم مهمات مدير مكتب الندوة في جدة، ومن ثم انتقل للعمل في مجلة «اقرأ» حيث أشرف على الملحق الفني فيها إلى وفاته في العام 1415/1995، بعد رحلة علاجية له إلى لندن على نفقة الأمير الراحل فيصل بن فهد بن عبدالعزيز.