جاءني صوته من ألمانيا هذا الأسبوع كما لو كان مادة ملموسة وليس كلاما من فرط فرحته وكبرها... وهو الفرح الذي تستشعره كمتلق لأي مهاتفة محملة بالبشر... قلت ها أبا محمد... يحمل صوتك صفات البشارة والانشراح...؟ كان هذا استهلال المهاتفة بيني وحسن دردير الفنان المشارك في صناعة تاريخ الدراما الإذاعية والتلفزيونية السعودية.. قال لي ببساطته المعهودة ولهجته الحجازية.. المدنية الموغلة في تفاصيل التفاصيل في مفردات اللهجة، قال حسن دردير: شوف ياقدندش «هكذا يسميني منذ ثلاثين عاما» أنت تعرف مين اللي أرسلني لألمانيا للعلاج؟ وأنت تعرف متى سافرت لمن جا الأمر بالسفر للعلاج! وساكت كل هذا الوقت؟ ولا أنت راضي تتكلم وتقول إن الدردير سافر للعلاج على نفقة الدولة وتحديدا الملك عبدالله رعاه الله وأتم عليه نعمة الشفاء وجعله ذخرا لنا. هنا انتهى حوارنا الهاتفي الذي ولد فكرة أن يكون ضيف الصفحة هذا الأسبوع حسن دردير أو مشقاص «شقص» في بردته الإذاعية والتلفزيونية التي افترشت مساحة الإعلام السعودي لنحو نصف قرن من الزمان.. في توليفة له مع زميل مشواره وصديقه إلى حين الراحل لطفي زيني «وأقول إلى حين لأنه كما يبدو وككل الشراكات تجد خطوات غير المحبين طريقها ل«فركشة» وهذا ما حصل الشراكة قلت له احكي قل ماذا تريد أن تقول فقال: أولا أود أن أقول رفع الله عن قائد مسيرتنا الشر، والحمد لله الذي من علينا بنجاح العملية الجراحية الثانية لخادم الحرمين الشريفين ونتمنى عودته قريبا سالما معافى. حسن محمد اسماعيل دردير واشتهر في الحياة الفنية المحلية بشخصية «مشقاص» ولد في المدينةالمنورة في عام 1358ه/1938م. وهو واحد من ستة أخوة ثلاث بنات هم الأكبر فاطمة، زينب، سامية ثم ثلاثة ذكور أكبرهم حسن ثم محمد والراحل عبدالحميد الذي توفي منذ بضع سنوات ولحسن دردير من الأبناء سلوى، محمد، غرام وهي فنانة تشكيلية، ومما يذكر عن طفولة حسن أنه قيل لوالدته بعد ثلاث بنات وهي تنتظر حسن: اضمري في دواخلك نية وهب حسن إذا جاء للحجرة النبوية وهكذا كان يفعل كثير من أهل المدينةالمنورة ففعلت حيث بعثت بحسن وهيبة للحجرة النبوية الشريفة مع خالته إلا أن كبير الأغوات المشرفين على الحجرة ردها قائلا عودي به إلى أمه ولكن دعي غيرها يرضعنه لمدة عامين ولا ترضعه هي إلا بعد انقضاء العامين وأعطاها ثمانية ريالات فضة هدية للمولود يقول حسن دردير: في هذين العامين أرضعنني معظم نساء حي المناخة التابع لزقاق الطيار حيث كنا نسكن وبعد السنتين أرضعتني أمي. درس بمدرسة السيدة خوجة هانم حبة في المدينةالمنورة، وتعلم التفصيل وصناعة الأحذية وصناعة الحلوى، ثم التحق بالكتاب وحفظ بعضا من أجزاء القرآن الكريم. هذه الدراسة المبدئية هي ما جعل من حسن دردير يدخل الحياة العملية مبكرا إلى جانب احتياج الأسرة التي تنتظر منه المشاركة الفاعلة لإعاشتها في المدينةالمنورة حيث تحول حسن دردير الصغير إلى صبي «عامل». وهنا يقول كانت أول مهنة لي عندما أحب خالي عمر رشوان رحمه الله أن يؤدبني أدخلني الحياة العملية حيث ذهب بي إلى محل الحدادة للحداد حجي مسعود في المدينة وكان كل أهل المهن في المدينة يومها سعوديين من أبناء المدينة وهنا تعلمت الحياة المهنية الشاقة بالفعل ثم عملت مع خالي عمر نفسه في صناعة الأحذية حيث أنه من كبار صناع الأحذية في المدينة وعمل أيضا فوالا، كذلك عملت لدى أحد النحاسين وهو الذي كانت من أول مهامه تبييض نحاس أهل المدينة وأهم هذا النحاس القدور الكبيرة. ثم عملت لدى خالي حسين رشوان الذي كان يعمل في صناعة العقل للملوك والأمراء منذ عهد الملك عبدالعزيز واكتسبت يومها مهنة جدا دقيقة وفيها من الفنيات ما فيها وكنت اعمل معه صبيا إلى جانب ابنه جميل رشوان الذي تراضعت معه، ونتفرغ لصناعة العقل منذ مطلع ذي القعدة وحتى عيد الأضحى ليذهب بها إلى الملك عبدالعزيز ثم الملك سعود ثم الملك فيصل ثم غيرهم من الأمراء ثم يكرمونه بمبلغ عشرة آلاف ريال ويومها توازي عشرة ملايين. ثم دخل خالي حسين إلى الحياة العسكرية وتوفي وهو في رتبة لواء وقبل كان قد أنهى أجواء المماحكة والخصام بيني وابنه جميل في أن اخذني إلى أمين بري طالبا منه أن اعمل معه لإبعادي عن الصراع مع ابن خالي في صغرنا وبالفعل واصلت معه في نفس المهنة «صناعة العقل» يومها بدأ صيتي يرتفع شيئا فشيئا بين أبناء المهنة الذين أشعروني بذلك وكانوا يسمونني «حسنكل» وكنت اشكو فقط من قصر القامة لأن بكرة الحرير أو القصب تكون بعيدة في ارتفاع موقعها عني وكنت اتسلم الراتب اليومي آنذاك نصف ريال وغضبت من سخرية البعض فتركت المهنة وذهبت إلى عمل جديد ثم عملت صبي صائغ في محل الصائغ «مهل» في سوق القفاصة وهو السوق الذي استحوذ عليه صناع أقفاص الطير وسرر النوم وما إلى ذلك ثم انتقلت للعمل مع العم محمد أبو عبدالله من تجار المدينة في سوق القماشة ولكن صائغا أيضا وارتفع راتبي إلى ريالين ونصف في اليوم، تنقلت كثيرا في العمل ثم انتقلت للعمل لدى الصائغ حمزة عجوزة وبدأت هنا الدراسة الرسمية في مدرسة المنصورية الابتدائية في حي العنبرية صباحا ثم اذهب للعمل عصرا إلى العشاء وهنا ارتفع مرتبي اليومي إلى ثلاثة ريالات. الانتقال من المدينة إلى جدة وأنا في هذه الحال اليومية يقول حسن دردير زارنا أخو زوجة خالي عمر رشوان في المدينة وقال لأمي: ليه العمل والدراسة في وقتين ومكانين في جدة تم افتتاح المدرسة الصناعية «المعهد الصناعي فيما بعد» وجاء بي إلى جدة وبالفعل درست في القسم الداخلي وكان يزاملني في الدراسة الإعلامي الزميل أمين قطان وفيما بعد الفنان محمد عبده الذي جاء للدراسة في المعهد بعدنا في قسم السفن وكان سكننا في بيت حسن عباس الشربتلي عند بحيرة الأربعين وعند تخرجي من الإعدادية في 1375ه/1955م قامت أمي بتوصية إبراهيم مهلهل رئيس قسم النسخ وحامد حمدالله المترجم وكلاهما يعمل في المكتب الخاص لوزير المالية لأعمل في الدولة إلا أنهما قالا إنه صغير جدا عن ذلك وقام أحد أصدقاء الأسرة يومها بزيادة عمري لأحصل على التابعية «البطاقة الرسمية كمواطن» وذهبت إلى الرياض وعملت مع وزير المالية آنذاك محمد سرور الصبان رحمه الله وبراتب كبير يومذاك 420 ريالا بالإضافة للسكن والإعاشة إلى أن ترك الصبان البلاد ليعيش في مصر وعين بدلا منه الشيخ عبدالله خزندار وزيرا للمالية بالإنابة ثم بعده جاء الشيخ محمد نور رحيمي مدير الجمارك في جدة ليحل وزيرا للمالية بالإنابة أيضا وهذا الذي دخلت عليه طالبا نقلي للعمل في جدة كي أكون أقرب إلى الوالدة في إقامتها الدائمة في المدينةالمنورة وبالفعل أحالني بورقة شخصية وتوصية منه إلى الشيخ حسين هوندجي مدير شؤون الموظفين في جمارك جدة الذي أوجد لي وظيفة في قسم الإحصاء. ثم اخذتني قدماي إلى مديرية الإذاعة والصحافة والنشر بإدارة إبراهيم الشورى.. دخلت الإذاعة بعد التقائي في مناسبة خاصة بالشخصية التي أحبها في الإذاعة الراحل استاذنا خالد زارع الذي كنت جدا معجبا بشخصية «أبو عرام» التي كان يجسدها إذاعيا وقلت له أنا أحب الإذاعة والتمثيل تحديدا واتمنى لو أتيحت لي الفرصة فدعاني بعد ان قلت له أن لي تجارب مسرحية في مسرح السبعة قصور منها مسرحية عاشق المال في عهد الشورى ثم جاء الشيخ جميل الحجيلان. نقاط في حياته التحق بمدرسة المنصورية الابتدائية حتى الرابعة الابتدائية، ثم التحق بمدرسة جدة الصناعية.. بالقسم الداخلي وحصل على دبوم تمهيدي في الصناعة.. وفي هذه المدرسة برزت موهبته في التمثيل. بدأ العمل ممثلا مع الفنان لطفي زيني عام 1381ه حيث كونا ثنائيا كوميديا هو «تحفة ومشقاص» وقدما معا أشهر وأنجح الأعمال الفكاهية الاجتماعية في التلفزيون المحلي لسنوات طويلة ثم انطلقا للعمل خارجيا وقدما في تونس مسلسلي «عمارة العجائب» مع عبدالعزيز الحماد والتونسي سي الحطاب و«فندق المفاجآت». كما قدما في مصر مسلسلات هي «تحفة ومشقاص في كفر البلاص» مع محمود المليجي وعفاف شعيب ومع محمد عبده وفاطمة التابعي «أغاني في بحر الأماني» ومع الراحل طلال مداح والمطربة رويدا عدنان مسلسل «الأصيل» وكان قبل ظهور التلفزيون قدم مع محمد عبده للإذاعة فوازير «السمسمية» التي سجلت نجاحا جماهيريا كبيرا ومن أعماله الإذاعية الكبيرة مسلسل «مدينة الأقزام» من تأليف عزيز ضياء المعروف أنه قدم أيضا فوازير رمضان إذاعيا وتلفزيونيا لنحو 17 عاما ثم عاد بعد توقف طويل ليقدم فوازير وأعمال برامجية عديدة من تأليف زوجته الكاتبة الدكتورة سميرة سنبل التي ترافقه في رحلته العلاجية حاليا إلى ألمانيا، ومن أعماله التلفزيونية الأبرز حسب رأيه فوازير «مشقاص سواح» مع صفاء أبو السعود والتي تم إنتاجها وتصويرها بين القاهرة ولندن التي كتبها الراحل عصمت الحبروك ولحنها سيد مكاوي وحسن نشأت وهاني مهنا من إخراج الدردير نفسه وإشراف أخراجي لعادل جلال. يعتبر من مؤسسي المسرح الإذاعي، ومن رواد التمثيل بالإذاعة. أجاد فن المنولوج، واشتهر بمونولوج «العازب» الذي يعالج قضايا المهن والزواج. وكرم حسن دردير من الكثير من الجهات منها الحرس الوطني ورعاية الشباب وجمعية الثقافة والفنون وتكريم الرواد في الإمارات العربية المتحدة ومن مهرجان الجنادرية وآخرها كان تكريم الرواد في جدة من قبل الدكتور عبدالله الجاسر والذي أقامته وزارة الثقافة والإعلام وشركة صدف. دخل مجال الإنتاج الفني، وأنتج مسلسل «مشقاص في كفر البلاص»، «عمارة العجائب»، و«أغاني في بحر الأماني» حيث شارك في هذه المسلسلات بالتمثيل إلى جانب ممثلين عرب ورفيق دربه لطفي زيني.. من أشهر أعماله: مشقاص خدمات عامة، نقطة ضعف، فوازير مشقاص سواح مع صفاء أبو السعود، عمارة العجائب، الزميل، أغاني في بحر الأماني، وتحفة ومشقاص في كفر البلاص. تجدر الإشارة أنه أصبح يقيم بشكل نهائي في الرياض بعد أن أدار مشروعا سياحيا في أبها، ويحضر إلى جدة بين الحين والآخر، كما يزور باستمرار مسقط رأسه المدينةالمنورة. قالوا عنه قال النجم عبادي الجوهر: أبو محمد صديق وهو واحد من توليفة فنية عملت على تقديمي إلى الساحة الفنية «طلال مداح، لطفي زيني، حسن دردير، جميل محمود، عبدالرحمن حجازي» عند دخولي إليها منذ عهد الأسطوانات البلاستيك في العام 1965. ويقول سعود الشيخي المشرف العام على فرع وزارة الثقافة والإعلام في المنطقة الغربية: حسن دردير فنان كبير وتاريخ مرتبط بعطاءات الفن السعودي وهو شخصية بسيطة جدا حد «البياض» ومتواضع جدا حد «الجمال في التعامل». كان في مكتبي قبل اتجاهه إلى دوسلدورف في ألمانيا للعلاج لينهي بعض متعلقاته وأوراقه العملية وذلك لحرصه الشديد لأنهاء إجراءاته رغم استخدامه المقعد المتحرك، هو رجل طيب. وتقول حرمه الدكتورة سميرة سنبل: حسن دردير هو زوج مثالي وفنان يعرف ما تعني كلمة فن وقد كونت معه ثنائيا فنيا ككاتبة وممثل وقدمنا الكثير من الأعمال للتلفزيون المحلي والإذاعة، واحترم فيه تقديره للعمل الإبداعي وحبه للحياة الفنية وإعطائه لها كل ما يمكن أن يعطي بالتساوي مع الحياة الاجتماعية والأسرية». أما ابنته الفنانة التشكيلية غرام حسن دردير فتقول: «اعتز بوالدي وبتاريخه الفني الكبير، واعتز باحترامه لتجربتي الفنية عندما قرعت باب الفن التشكيلي وسجلت فيه حضورا جيدا بموافقته».