محمد رجب .. اسم مشارك فاعل كان له فعله الكبير في أول إرهاصات الصحافة الفنية المحلية منذ صحافة الأفراد في المملكة وقدم للإعلام السعودي الكثير من التميز في اختصاص الثقافة والفن بمختلف جوانبه والموسيقى والغناء والألعاب الشعبية على وجه الخصوص إلى جانب أسماء رائدة زاملته في هذا العطاء مثل الراحل حمدان صدقة والراحل جلال أبوزيد والراحل هاني فيروزي رحمهم الله جميعا .. محمد رجب الذي غادرنا إلى الحياة الآخرة في الحادي عشر من يونيو 2011م كان قد ترك وراءه إرثا فنيا كبيرا تمثل في العديد من الكتب التي تؤرخ للحياة الفنية بشكل عام ولمشواره مع بلاط صاحبة الجلالة، تلك الكتب التي كان أبرزها ما سطره عن حياة الفنان الراحل الكبير فوزي محسون وكتابه عن المونولوج الذي طرحه كقضية فنية كبيرة تعامل فيها معه كثيرون دون معرفة تاريخ هذا اللون من الفنون وهو الأمر الذي دعا محمد رجب إلى تقديم هذا الكتاب عن رواد فن المونولوج وكتابه المعروف «مذكرات فنية» والكتاب الوثائقي عن مشوار فرقة «أبو سراج» للفنون الشعبية، وكان محمد رجب على علاقة كبيرة جدا مع النجمين حسن دردير والراحل لطفي زيني رحمه الله وقدما إلى جانبه رحمه الله الكثير من الأنشطة الفنية والإعلامية التي لا يمكن أن يغفلها متابع للحياة الفنية في الداخل. مع أم كلثوم وفي مشواره مع الإعلام التقى الراحل محمد رجب مع كثيرين من كبار نجوم الفن في عالمنا العربي، ولكنه كان طوال عمره يفخر بالحوار الصحافي الذي أجراه مع سيدة الغناء العربي أم كلثوم خلال زيارتها للمملكة في سبعينيات القرن العشرين في فندق الكندرة في جدة كما افتخر كثيرا بلقاء أجراه مع الشاعر المصري الكبير أحمد شفيق كامل .. شاعر لقاء السحاب بين أم كلثوم وعبدالوهاب. رجب المشارك في التأسيس وجاءت وفاة محمد رجب في يونيو الماضي بعد مرضه أعواما ثلاثة، ومحمد رجب أحد أهم الأسماء التي شاركت بفاعلية في تأسيس الصحافة الفنية في صحفنا المحلية منذ مرحلة الظهور بشكل أسبوعي إلى تحويلها إلى صفحة يومية في صحفنا وذلك إلى جانب أسماء كبيرة عملت فيها مثل عبدالله جفري وبدر كريم وهاشم عبده هاشم وحمدان صدقة وجلال أبو زيد وهشام عرب ومبارك العوض وهاني فيروزي وأحمد المهندس وأسماء عديدة قدمت الكثير لصحافتنا الفنية. محمد رجب أحد المشاركين الأوائل في تأسيس جمعية الثقافة والفنون إلى جانب الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن وإبراهيم خفاجي وسراج عمر وسامي إحسان وعبد الله الجار الله ومحمد الشعلان وغيرهم عند انطلاقها تحت مسمى «جمعية الفنون» قبل اكتسابها صفتها الرسمية الدولية التي تعاملت من خلالها فنوننا وثقافتنا مع العالم في كثير من الملتقيات الثقافية الدولية والمهرجانات ذات العلاقة. ومحمد رجب الذي كانت آخر مسميات نشاطه في فرع جدة من الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون المستشار الفني والمشرف على لجنة المسرح في الجمعية وهو كاتب دراما إذاعية من مواليد حارة المظلوم بجدة في العام 1353ه / 1933م درس حتى المرحلة المتوسطة. التحق في باكورة شبابه بوظيفة طابع آلة طابعة يدوية في أحد الأحياء الشعبية، التحق عام 1952م بالبنك السعودي الهولندي بوظيفة معقب ثم تدرج في العمل بقسم البريد لمدة عشر سنوات، ثم التحق بقسم شؤون الموظفين بالبنك وتدرج إلى أن وصل لمساعد مدير الشؤون التجارية بالإدارة الإقليمية وبقي في هذا المنصب لمدة سنتين وقدم استقالته عام 1982 بعد أن أمضى قرابة 30 عاما في خدمة الفن، التحق بالعمل الصحافي عام 1380ه / 1960م، حيث كان ينشد في مجلسه الرائد من خلال باب «ابن الشاطئ» الذي كان يحرره الدكتور عبد الله مناع، عمل عام 1383ه بالصفحة الفنية في جريدة قريش التي كانت تعد الصفحة الثانية بعد صفحة «أمانيه» التي كان يحررها الدكتور هاشم عبده هاشم وحمدان صدقة في مجلة الرائد واستمر في ذلك لمدة ستة أشهر، بعدها صدر نظام المؤسسات الصحافية واتجه مع الأستاذ حمدان صدقة للعمل في الصفحة الفنية في جريدة البلاد عام 1384ه، انتقل بعد ذلك كمتعاون في جريدة عكاظ مع زيني عبدالغفار وعبد الله السقاف في الزاوية الفنية في «عكاظ» وكان يراسل من جدة صحف المنطقة الوسطى «الجزيرة»، «الرياض» وقد أشرف على تحرير صفحة فنية أسبوعية في «عكاظ» خلال الفترة من 1390 1395ه .. مآثر فنية كون محمد رجب فرقة «ثلاثي الجيل» من عبد الله الصائغ، ومحمد حبادي، وعبد الكريم باحشوان عام 1399ه / 1979م حيث تخصصت في أداء المنولوجات والمشاهد المسرحية، ساهم في إبراز عدد من نجوم الغناء السعودي عبر برامجه الإذاعية والتلفزيونية مثل: نجوم الغد، مسرح الهواة، ساعة مع الفن، أشرف عام 1390ه على أول صفحة فنية أسبوعية في «عكاظ» حتى عام 1395ه، حيث اتجه إلى «مجلة الإذاعة الفنية» والتي استمر فيها لمدة ثلاث سنوات أي حتى عام 1395ه.. عاد عام 1395ه إلى «عكاظ» ليشارك في تحرير صفحة «الفن» في العدد الأسبوعي، شارك في تأسيس جمعية الثقافة والفنون فرع جدة عام 1394ه وشغل لبعض الوقت منصب مدير الشؤون الثقافية فيها ورئيسا للجنة المسرح في شعبان 1420ه ، تعاون مع مجلة «اقرأ» عام 1398ه ، واستمر حتى عام 1400ه ، أعد المجلة الفنية الإذاعية عدة دورات حتى عام 1419ه ، شغل مستشار فرقة فنون جدة. أنتج ما يزيد على 500 حلقة درامية ما بين سهرة ومسلسلات وتمثيليات أسبوعية مثل: كلمة عتاب، مواقف إنسانية، مواقف رمضانية، وطول بالك. وفي المنوعات: المجلة الفنية وساعة مع الفن ومسرح الهواة ومسرح الإذاعة ومنصة المواهب. وفي البرامج التلفزيونية: مسرح التلفزيون، سهرات فنية، مسلسل مشقاص، خدمات عامة (7) حلقات، مسلسل صور اجتماعية 13 حلقة، وفنون شعبية لتلفزيون العرب 20 حلقة. وفي الأعمال المسرحية: سبع مسرحيات، 20 اسكتشا كوميديا وشعبيا غنائيا. له عدة مؤلفات في المجال الفني منها: كتاب عن حياة الفنان الراحل فوزي محسون، كتاب ذكريات ومواقف فنية وكتاب الطموح والإبداع عن فرقة أبو سراج الشعبية وتحت الطبع «ربيع الثاني 1421ه».. كتابان الأول: عن الفنان محمود حلواني، والآخر عن رواد المونولوج، نال العديد من الجوائز وشهادات التقدير منها: شهادة الريادة الصحافية من جمعية الثقافة والفنون عام 1407ه ، درع التفوق من عمل مسرحي بعنوان «الصراع» من جامعة الملك عبدالعزيز في جدة 1417ه ، درع المهرجان الوطني للتراث والثقافة في الجنادرية عام 1419ه عن رواد التأليف المسرحي، شارك في مهرجان الفنون الشعبية في أوزبكستان «كرئيس وفد» مع فرقة موسيقية بصحبة الفنان محمد أمان وحصلت الفرقة على الجائزة الأولى للمهرجان عام 1420ه.. قالوا عنه يقول الفنان محمد عبده عن الراحل محمد رجب: «فقدنا بوفاته علامة متميزة من علامات النقد الفني في المملكة، فقد عرف عنه ثقافته الفنية المرتفعة في الإعلام وتذوقه لجميع أنواع الفنون ولقد كنت أسعد بسماع آرائه ومقترحاته الفنية التي استفدنا نحن معاشر الفنانين منها كثيرا وبرحيله هذا العام فقدنا علما بارزا لايمكن أن يعوض نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح الجنان. ويصف الفنان عبادي الجوهر الراحل محمد رجب بالقامة الشامخة والصحافي الكبير الذي رافق كبار الفنانين في المملكة وكان له أثر كبير في نقل إبداعاتهم إلى القراء ولم يكن مجرد صحافي عادي بل كان مستشارا فنيا لكبار الفنانين أمثال الراحل طلال مداح رحمه الله والفنان محمد عبده وغيرهما وكان صحافيا برتبة مؤرخ فني وبفقده فقدت الساحة الفنية والإعلامية علما بارزا. أما الإعلامي عدنان صعيدي فيرى أن الراحل محمد رجب كان علامة فارقة ومميزة في سماء الإعلام السعودي وهو أحد الرواد والمؤسسين الذين لهم إسهامات لاتنسى في بلاط صاحبة الجلالة وفي عالم الإعلام بشكل عام كما كان متواضعا طيبا قريبا من النفس يدعم جميع الوجوه الشابة ويحاول أن يقف بجانبها. وهو ما أكد عليه الملحن سراج عمر الذي اعتبر الراحل قيمة إعلامية حقيقية فقد كان مهتما بكل ما هو تراثي وطربي جميل ومهموما بتراث الأغنية العربية، وشغوفا بمحبة الغناء الأصيل والدفاع عن العبث به أو الإساءة إليه. ويقول الفنان عبده مزيد: لقد جمعتني به لقاءات عدة في حياته لمست منه افختاره الكبير بمشاركاته في كافة المناشط الفنية داخل وخارج المملكة وله إسهامات فنية لاتنسى. ثم إنه كان يبادر في تقديم ما يمكن تقديمه للمواهب الشابة في مجالات الفن المختلفة. أما الفنان طاهر حسين فيقول عن الراحل محمد رجب: «إذا ما استعرضنا تاريخ الأغنية السعودية المعاصرة فإننا نجده ممن احتل أول القائمة من أوائل الذين ضحوا بكل شيء من أجل متابعة تأريخ الأغنية ويتزامن في مشواره الفني مع الموسيقار طارق عبد الحكيم وعبدالله محمد وعبدالله مرشدي وطلال مداح ومحمد عبده، لكن رجب لا يغفل دوره مهما كان ولا ينكر تدفق عطائه وجهده وتفانيه وإخلاصه لكل من خدموا الفن فهو بلا شك ممن دعموا كل رواد الأغنية السعودية المعاصرة وروادها في الأمس أمثال حسن جاوا والكردوس وأبو خشبة وغيرهم. أما الفنان محمد عمر الذي عاد للأضواء والتلفزيون السعودي خلال أمسيات عيد الفطر فقال: الراحل يعتبر موسوعة إعلامية فنية محترمة فقد كان يدعم الغناء والدراما والمسرح ولقد رأيت جهوده الكبيرة في مجال الدعم الغناء ولايمكن أن ننسى أياديه البيضاء علينا كمطربين تماما كما هو دعمه لرواد الأغنية السعودية الكبار في جيل سبقنا، وأعتبر نفسي من المحظوظين الذين وجدوا منه الدعم الجيد من خلال جمعية الثقافة والفنون التي كان دائما هو من تتمحور عنده العلاقات العامة والنشاط الإعلامي. وهو الأمر الذي شدد عليه الفنانون والمحلنون علي عبدالكريم وغازي علي وجميل محمود عندما أشاروا إلى أن الراحل محمد رجب لم يأخذ حقه ومكانته وهو على قيد الحياة بالرغم مما عرف عنه من دعمه لجميع المواهب السعودية الشابة في شتى المجالات، واستثنوا من ذلك تكريم نادي مكة الثقافي الأدبي للراحل عام 1429ه على مسرح نادي الوحدة في الأسبوع المسرحي الذي عقده النادي وكرم فيه مجموعة من رواد المسرح وهو من أبرزهم. وطالب الملحن سعود سالم بتكريم الراحل بإطلاق اسمه على الشارع الجانبي الواقع فيه سكنه في جدة وتكريم أبنائه على ما قدم من مجهود كبير لاينكره سوى جاحد للمسيرة الإعلامية في المملكة.. ويرى سعود سالم أن محمد رجب ليس من رواد الصحافة والإعلام والنقد الفني بل كان أحد الداعمين لمسيرة المسرح وجمعيات الثقافة والفنون وله إسهامات ومواقف لصالح كبار الفنانين وصغارهم وإنه يستحق الإشادة والتقدير والتكريم لما قدم.. رحمه الله. ويشير الفنان عبد الله رشاد إلى أن محمد رجب لم يجر وراء الشهرة والأضواء فكان يعمل بصمت طيلة حياته ودعم الجميع ولا يرتضي ولا يرتجي من ذلك مصلحة أو غاية دنيوية، وهو ما أكد عليه حمدان بريجي عندما اختصر وصف رجب بأنه قامة فنية لا تعوض شيمتها التواضع والطيبة والوفاء، معتبرا من أقل الوفاء تكريم هذا الرجل القيمة الفنية والإعلامية الكبيرة. ويقول الدكتور عبد الله الشائع مدير عام إذاعة جدة: إن محمد رجب من كبار الكتاب الذين أسهموا معنا في العمل الإذاعي ولازال برنامجه «الصراحة راحة» يذاع إلى الآن «ماعدا في الدورة الرمضانية» وهو من أقدم البرامج التي قام بإعدادها على مدى سنوات طويلة، كما قدم لنا مسرح الإذاعة بالاشتراك مع الجمعية حينما كان مديرا للإعلام والنشر في الجمعية وتتصف كتاباته بالعمق والخبرة والتميز. رجب رجل تميز في عطائه الكتابي للإذاعة وقدم لها الكثير طوال السنين مشاركا في صناعة النجاح في دراما الإذاعة، وله تأريخ كبير وصنع جسور عطاء مشترك بين الإذاعة والكثير من الجهات مثل جمعية الثقافة والفنون، وفي الأسابيع الثقافية السعودية في الخارج.