يعود تاريخ البعثات الطلابية السعودية إلى (مدرسة تحضير البعثات) في مكةالمكرمة في مطلع القرن الماضي والتي كانت تتولى إعداد الطلاب تعليميا للابتعاث الخارجي. وكانت (مصر) هي وجهة الابتعاث الرئيسة آنذاك .. حيث شهد العام 1929ه أوائل البعثات الطلابية السعودية إلى مصر. ويعد برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي فتحا كبيرا لمستقبل البلاد .. حيث أشرع نوافذ التنمية الحضارية أمام جيل التنمية السعودي القادم مسلحا بروافد العلم الحديث والمعرفة العصرية .. فلقد انطلق هذا البرنامج الذي يعد الأكبر في تاريخ المملكة في العام 2005م .. بعد توقف للابتعاث الخارجي على مدى حقبة زمنية شهدت ما يمكن أن يعد انعزالا علميا نسبيا .. أثر على التطلعات الفكرية والعلمية في عالم يموج بالتطورات العلمية المتسارع. أذكر عندما كنت مشرفا عاما على التدريب والابتعاث بوزارة الصحة كنا نعجز عن توفير فرص ابتعاث للأطباء حتى في التخصصات النادرة رغم الحاجة الماسة. اليوم ولله الحمد والمنة وباهتمام تاريخي مشهود من قبل خادم الحرمين الشريفين بالتعليم عموما كركيزة أساسية للتنمية الحضارية .. وبالابتعاث الخارجي على وجه الخصوص أشرعت أمام شبابنا فرص التزود من معين العلم الحديث من منابعه. ولقد رفعت أكف الضراعة إلى المولى عز وجل من قبل آلاف الآباء والأمهات داعية بالخير لخادم الحرمين الشريفين عقب توجيهاته في الخامس من شهر جمادى الآخرة الحالي بالموافقة على ضم الدارسين على حسابهم الخاص إلى البعثات التعليمية. ورغم أن تاريخ البعثات الطلابية السعودية إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية يعود ببداية محدودة إلى العام 1367ه .. إلا أن تزايد أعداد الطلاب السعوديين أدى إلى إنشاء ملحقية ثقافية سعودية في عام 1951م .. ولقد تعاقب على إدارتها مجموعة من الشخصيات التعليمية، أذكر منهم الدكتور رضا كابلي والأستاذ صبحي الحارثي والدكتور حمد السلوم والدكتور مزيد المزيد وأخيرا الدكتور محمد بن عبدالله العيسى الملحق الثقافي السعودي الحالي. وظلت الولاياتالمتحدة على مدى العقود الماضية المحور الأساس للبعثات السعودية. ويبلغ عدد المبتعثين السعوديين الدارسين في الولاياتالمتحدة حاليا (25) ألف مبتعث ومبتعثة، يمثلون أكثر من ثلثي إجمالي المبتعثين السعوديين للدراسة في الخارج. وهناك نحو ثلاثة آلاف طالب وطالبة في الولاياتالمتحدة يدرسون على حسابهم الخاص في صدد الانضمام للبعثة .. ليصل عدد المبتعثين إلى نحو (28) ألف مبتعث ومبتعثة في الولاياتالمتحدة .. وهو عدد غير مسبوق في تاريخ المملكة .. وبفارق معياري عما كان عليه العدد في أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات والذي لم يتجاوز (12) ألفا. ولقد تسنى لي زيارة الملحقية الثقافية السعودية في الولاياتالمتحدة مؤخرا .. وألفيتها كيانا مؤسساتيا يعكس حراكا عمليا مكثفا .. وتابعتها قبلا فوجدت تطورا لافتا خلال الثلاث السنوات الماضية التي تولى فيها الدكتور محمد بن عبدالله العيسى قيادتها .. تؤكد ذلك حقائق ماثلة .. لعل منها قيام الملحقية بتوقيع (50) اتفاقية مع كليات طب أمريكية .. وأصبحت تطبيقات الإدارة الحكومية الإلكترونية تدير أعمال الملحقية في تعاملاتها مع المبتعثين وفي تواصلها مع المؤسسات التعليمية .. وأنشئت مكتبة رقمية حديثة تعد رافدا علميا في متناول المبتعثين .. وطبق التأمين الطبي للمبتعثين ومرافقيهم من خلال شركة تأمين معروفة .. وأصبح هناك (114) ناديا طلابيا سعوديا تشرف عليها الملحقية أصبحت جزءا من الاتحادات الطلابية في الجامعات الأمريكية .. وبمبادرة مشكورة من قبل الملحق سوف يصبح أخيرا للملحقية بعد نحو (18) شهرا من الآن بمشيئة الله تعالى مبنى مستقل مملوك للملحقية صمم على أحدث طراز معماري .. جار العمل على تشييده وفق الاحتياجات العملية الآنية والمستقبلية. ولقد شاهدت أثناء تجوالي في أقسام الملحقية عددا من الكفاءات السعودية .. تمكن الملحق من استقطابهم من الجامعات السعودية للعمل في الملحقية. ولضمان نجاح مهمة الابتعاث للطلاب والطالبات المستجدين .. صممت الملحقية برنامجا تعريفيا متكاملا يوفر المعلومات اللازمة للمبتعث قبل وصوله إلى الولاياتالمتحدة وعند وصوله إلى الملحقية ومقر البعثة. وفي ظل الانشغال بالإشراف على المبتعثين لم تغفل الملحقية دورها الثقافي والاجتماعي في مد جسور التواصل الثقافي السعودي. . فهناك إدارة متكاملة للشؤون الثقافية والاجتماعية. • ولكن في ظل هذا العدد الضخم من المبتعثين .. وبالنظر إلى الاتساع الجغرافي الكبير للولايات المتحدة التي تعد قارة في حد ذاتها .. فإنني أقترح إنشاء فروع للملحقية في أنحاء الولايات .. كأن ينشأ فرع في الجنوب الغربي يشرف على المبتعثين في مجموعة الولايات المتقاربة .. وآخر في الجنوب الشرقي ومن ثم في الشمال الغربي والشرقي .. ذلك أن إنشاء فروع للملحقية من شأنه أن يسهم في تخفيف وتوزيع العبء والحد من تضخم العمل .. إلى جانب توفير الفعالية الأدائية الأمثل. • ومن ناحية أخرى يجدر بي التنويه بالخطوة السباقة التي تبنتها الملحقية لمواجهة مخاطر قضية توفير فرص وظيفية للخريجين من المبتعثين. حيث تنظم الملحقية في واشنطن خلال الفترة 21 23 جمادى الآخرة الحالي (يوم المهنة) متزامنا مع الاحتفال بتخريج كوكبة جديدة من المبتعثين، وذلك برعاية معالي وزير التعليم العالي .. يشارك فيه (25) جامعة سعودية إلى جانب مجموعة من الشركات تسعى لاستقطاب الخريجين والخريجات. ولا يسعني في الختام إلا أن أتوجه بالدعاء إلى المولى عز وجل أن يجزي خادم الحرمين الشريفين كل خير جزاء ما قدم لأمته .. وأن يوفق أبناءنا وبناتنا المبتعثين في تحصيلهم العلمي .. وكل من يساهم في تحقيق أهدافهم النبيلة.