الأصل في الأشياء الإباحة، أما التحريم فهو منتقى، أي أن المباح هو السائد والتحريم متنحٍّ (هذا بتعبير جدول مندل). بمعنى أن تأكل ما تشاء إلا ما نص على تحريمه كلحم الخنزير والميتة وما أكل السبع... إلخ، وكل الأشربة حلال إلا شرب الخمر، وكل الألبسة حلال إلا الحرير والذهب للذكور.. هذه السعة أوجدت من أجل تناغم الحياة مع الدين في جوهر الممارسات، ولم يكن الدين ضيقا في أي وقت حتى على مستوى العبادات. والملفت في ديننا أنه لم يحجر على العقل بتاتا، حتى الإيمان لم يقدنا إليه الدين كراهية بل اقتناعا، ومن لم يقتنع فليكفر، هكذا منتهى الحرية. لكن الملاحظ أن حياتنا انقلبت رأسا على عقب، وأصبح المحرم هو السائد والمباح هو المتنحي. مما جعل الحياة ضيقة، ومع ضيقها انتشرت كل آفات المرض النفسي. لقد مال الميزان كثيرا نحو التشدد، مما خلق أفرادا يقبلون بممارسة الشرك الأصغر والنفاق والتدليس والغش وبقية سلسلة الأخلاقيات السلبية حين يكونون تحت ضغط الشكليات. فنحن نمارس الشرك الأصغر حينما نقوم للصلاة من أجل خاطر فلان أو بسبب صياح رجال الهيئة، ويمكن أن نصلي ونحن بلا وضوء أو على جنابة، وننافق حين نجد أنفسنا مع مجموعات تسير في نسق واحد، ولكي لا نسحق معنويا فإننا نتبع خطواتهم مع عدم قناعتنا بما يفعلون.. أو ننافق في طريقة اللبس أو القول وفق ما تمارسه تلك المجموعات، ويغش بعضنا أو يكذب أو يظلم وهو داخل المسجد أو خارج منه، وكأن الصلاة فعل ليس له علاقة بالنهي عن الفحشاء والمنكر.. صلاة تؤدى باستقلالية تامة عن بقية التصرفات والأفعال.. ويمكن أن ينافق أحدهم بالتبرع بملايين الريالات أمام عدسات الإعلام، ولكنه يمتنع عن إعطاء قرش واحد لمن يطلبه في الخفاء. لقد خلق التشدد تصرفات جماعية بها الشرك وبها النفاق وبها التضليل وبها الكذب، لأن التشدد أراد أن يخلق صورة واحدة للمجتمع، كل أفراده لا يزلون ولا يخطئون وكأنهم ملائكة.. ولكي لا يسحق أحد بأصوات المتشددين تعلق الجميع في باص التشدد، ومن لم يجدوه معلقا معهم تم قذفه خارج الباص أو سحقه إن لم يتم قذفه. هذه الصورة التي أراد التشدد إيجادها، حتى ولو كانت شكلية، خلقت أفرادا مشوهين من الداخل. وأسوأ ما يكون عليه الإنسان أخلاقيا عندما يتم تهشيمه داخليا. والآن، ونحن نسمع الاختلافات الفقهية في كل مناشط الحياة، علينا أن نؤسس لاتباع سعة الدين وتسامحه، وأن نمكن الناس من أن يكونوا طبعيين يتحركون في فضاء الدين وفق واجباته ورخصه.. علينا أن لا نطالب بملائكة على الأرض، بل بشر يجاهدون نوازعهم بالسقوط والنهوض مرة أخرى، على الأقل أن لا يتم دفعهم للدخول في الشرك الأصغر أو الدخول إلى النفاق من أوسع الأبواب. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 159 مسافة ثم الرسالة