على الرغم من ندرة دخول الدكتور محمد الهرفي إلى المحاكم أو كتابات العدل، إلا أنه يشهد، أي والله يشهد! في مقاله «كتاب العدل في باريس!» المنشور في «عكاظ» عدد 15981 بتاريخ السبت 15/6/1431ه، أنه ما دخل هذه المحاكم وكتابات العدل يوما إلا وخرج منقبض النفس، متشائما من الأوضاع التي رآها، من سوء في الإدارة والتنظيم، وكان دوما يتساءل: هل هذه أخلاق الإسلام التي يفترض أن يمثلها هؤلاء؟! ثم حكى شهادة أخرى لموقف جمعه بوزير العدل، وأثنى على حسن خلقه المعروف عنه ولكن ذلك جعله يذهب بخياله بعيدا بين ما رآه هنا وما رآه (هناك)! ثم حكى صداقته القديمة الجديدة بسماحة رئيس المجلس الأعلى القضاء، وعن تواضع سماحته وخلقه الرائع كما يعرفه الجميع لكنه تعجب من القضاة وكتاب العدل الذين يعطون انطباعا مختلفا عن التيار الذي يمثلونه! كل ذلك يشهد به الكاتب من خلال زيارات نادرة للمحاكم وكتابات العدل، ما لكم كيف تحكمون!! وبعد هذه الشهادة، القاطعة الفاصلة الناصة في موضع النزاع، التي مبناها زيارات نادرة للمحاكم وكتابات العدل!!؛ بدأ الدكتور في تشابك مفجع بين عناصر موضوعة، حارت فيه الأفهام، فقد بدأه بأخلاق من أشار إليهم ب(هؤلاء) حتى وصل بسرعة البرق إلى زواج القاصرات!!، فلم أستطع، بفهمي المتواضع، استيعاب الروابط ولا فهم الموضوع الذي يريد على وجه التحديد نقده ومعالجته! ولأني من ضمن المعنيين بالمقال مباشرة، لوقوعي في حيز ال(هؤلاء)، ولكي أحاول أن أمسك من الموضوع بطرف فلعلي آخذ موضوع: (الابتسامة) التي أشغلت الكاتب، وبداية أرجو أن يعذرنا لما حصل له من ضيقة صدر. تصور صادق ولعل زيارات الدكتور، النادرة، للمحاكم وكتابات العدل لم تسعفه لأن يقدم للقارئ تصورا لوضع هذه المحاكم وكتابات العدل، وما الذي جعل (هؤلاء) بهذا المستوى الذي أوصل الدكتور لتلك الحالة الفظيعة!! كيف يتوقع الكاتب من (هؤلاء) أن تكون حالتهم النفسية؟! بل كيف يريد من القاضي أن يبتسم؟! وهو يعاني في المحاكم من كل شيء، يعاني ابتداء من ضغط العمل: الذي يزيد بأكثر من الضعف على المقرر نظاما حيث يلزم القاضي، نظاما، أن ينظر يوميا ما لا يقل عن ست قضايا، بينما ينظر القاضي حاليا، في محكمة كمحكمة جدة، ما لا يقل عن اثنتي عشرة قضية يوميا على الأقل، ومع ذلك تصل المواعيد المتكررة إلى جدول يستمر لشهرين أو ثلاثة على الأقل. نعم لا نبتسم، ولكن نتصنع البسمة، وكيف تريدنا أن نبتسم ونحن نعاني من قلة الموظفين، حيث لا تجد في مكتب القاضي سوى خمسة إلى ستة موظفين مطحونين،، وبدون أي بدلات لطبيعة العمل المرهق، ولا دورات لرفع مستواهم المهني، ومع ذلك يغيب ثلثهم يوميا، ويطلب من الثلثين الباقيين أن يتعاملوا مع أكثر من خمسين مراجعا، في أحسن الأحوال، للإجابة على استفساراتهم، وتنظيم دخولهم، وتحديد مواعيد القضايا، وتحرير محاضر الجلسات، وتصويرها، وكتابة الأحكام، وتحرير الخطابات واستلام وتصدير المعاملات! الصدمة الحضارية ومن يتأمل الحكاية عن الصدمة الحضارية، والتهكم بمن سيزور فرنسا بأنه سيكون مثل رفاعة الطهطاوي، يعتقد أن الكاتب دقيق فعلا في وصفة، وأن هذه الإدارات هي إدارات من العصر الحجري، متخلفة من كل جهة، وفرق كبير بين ما سيرونه وبين واقعهم، كما سيتبادر إلى الذهن أن الكاتب خبير بأنظمة التقاضي والتوثيق في الدول الأوربية، ولعل خبرا كالصدمة تفيق الكاتب حين نقول له مؤكدين أن القضاء الفرنسي الذي أشفق على كتاب العدل من الانحراف بسبب زيارتهم له، هو من أطول الأنظمة القضائية في العالم أمدا ولا تكاد تنتهي القضية الواحدة إلا بعد عدة سنوات، ولا تستخدم فيه التقنية بشكل كامل، ولكن للدكتور العذر دائما في ذلك، وربما أن زياراته، النادرة، للمحاكم وكتابات العدل كانت قبل دخول التقنية فيها، فلعل زيارة، نادرة، أخرى تسعف الكاتب بأن يطلع على محكمة إلكترونية بالكامل مثل محكمة جدة، أوقف فيها التعامل اليدوي تماما منذ ثلاث سنوات وغيرها الكثير من المحاكم التي بدأت في مشروع النظام الشامل واكتملت منظومته في كثير من المحاكم وكتابات العدل. وبعد، فنرجو من أخينا الدكتور في زيارة، نادرة، مقبلة أن يحاول قراءة التوجع في أعين القضاة لأسباب كثيرة منها: تأخير البت في القضايا، الذي لا يد لهم فيه، ومنها القضايا، التي يرى أنها واضحة، وسحقا لرؤية القاضي الذي لا يراها واضحة!، ولعله أيضا يجد تفسيرا للتسرب الوظيفي من قطاعي القضاء وكتابة العدل، ، أعني القضاة، كمن ألقي في الماء مكتوفا وقيل له إياك إياك أن تبتل بالماء!