هذه القاعدة الذهبية لم يعد لها مكان، فوزارة الصحة أرادت اختبار الميت بوضع نظام يجيب على سؤال: إلى أي مدى يمكن لجسد الميت أن يقاوم نظامها الجديد قبل أن ينبث نتنه. وقبل أن نتعرف على نظام الصحة، نقول إن الموتى لم يسلموا من التعقيدات حتى وهم يغادرون الحياة، فبعد أن يقضى الإنسان طوال حياته (يصارخ) مطالبا بتحسين أوضاعه نجده يرحل، وينتدب بقية أهله لأن يصرخوا بدلا عنه مطالبين بتحسين أوضاع الموتى. وأنا هنا لا أتحدث عن معضلة البحث عن قبر فارغ في مقبرة قريبة وإن كان هذا يحدث، ولو لم تكن لديك معارف تستقبل (ميتك)، فهذا يعني أن تنتدب (أنت أيضا) الأقارب والأصحاب للبحث عن قبر في مقبرة لا تزال تفتح أبوابها للموتى. كلنا يعرف أن الميت لا يصل إلى قبره إلا بشهادة وفاة، وكان في السابق يوجد نظام سهل ومريح للميت وأهله، فإذا توفى أحد في منزله يقوم أحد أقاربه بالتبليغ عن الوفاة حتى يتحرك طبيب لمعاينة الجثة وكتابة تقرير أو شهادة الوفاة، ومن ثم يحصل أهل المتوفى على تلك الشهادة لكي يتم الدفن بموجبها، هذا النظام لم يرق لوزارة الصحة (ولا أعرف ممثلا في أي جهة منها)، حيث ألغت النظام القديم واستبدلته بنقل الميت (المتوفى في بيته) إلى المستشفى العام لكي يحصل على شهادة الوفاة. ويبدو للوهلة الأولى أنه نظام بسيط، ويتم بسهولة لكن من لديه حالة وفاة سيذوق الأمرين قبل أن يحصل على تلك الشهادة. في البدء، لن تجد سيارة تنقل جثة قريبك إلى المستشفى، فالهلال الأحمر يتنصل من هذه المهمة حيث تقتصر مهمته على إسعاف الأحياء أما الموتى فليس من اختصاصه.. وهذا يعني أن (تطبق) ميتك في سيارتك، وتنطلق به في شوارع جدة المختنقة مروريا، ويا سلام لو كان منزلك بعيدا ولم تكن سيارتك مكيفة، وهذا ما لم تتنبه له وزارة الصحة وكان عليها أن تدخله ضمن اختبارها (لصمود انتقال الأجساد الميتة إلى مستشفياتها العامة)، فدرحات الحرارة أخذت في الارتفاع بعيدا عن أعين الأرصاد التي تزودنا بأرقام غير صحيحة عن سخونة الجو، لدرجة أن الأحياء (يفطسون) لمجرد عبور شارع واحد وليس كما يفعل الميت الذي يعبر عشرات الشوارع المزدحمة قبل أن يصل المستشفى العام.. والنظام أيضا يقضى بضرورة وصول الميت الى المستشفى العام فليس من حق أي مستشفى خاص أن يعطي شهادة الوفاة. وإذ كان الحي (يفطس) و(ينتن) وهو يعبر شارعا أو شارعين في هذا الجو الهالك، فهذا يعني أننا نصل بموتانا وهم متفسخون أو متحللون، وإن لم يحدث ذلك فإن الميت يكون وصل إلى درجة عالية من اختبار الصبر حتى في رحلته الأخيرة!! وكان على وزارة الصحة أن تعلن عن نظامها المستحدث حتى يتمكن أي حي من شراء فريزر كبير يوصي بوضع جثته فيه كي يصل إلى المستشفى العام، وهو لا يزال محتفظا برائحة مقبولة بعد توديع كل شوارع البلد!! يا صحة ودعوا الموتى بأحسن من هذا، فيكفي أهل الميت ما يجدونه من حزن ومصيبة فراق ولا تزيدوا الطين بلة، أم أن إكرام الميت إظهار انضباط التعقيدات حتى يذهب المرء لآخرته شاهدا على المرمطة. [email protected]