كثيرا ما تستشعر وجود حزن، ألم، وجع منتظرا على مشارف الروح، فتقف لا تدري الطريق هكذا أبصرت روحك ألما فلابد المسير! ليبقى حدسك عراب الوقت الصعب. والحالة تلك تأتي الأحلام النافذة الأولى لذلك الحدس المتعب، الذي يصفي الروح لتتعرف عليها، تأتي الأحلام التي كانت وماتزال تحمل الكثير من الرؤيا للقادم، ورغبة الإنسان العارمة في معرفة ذلك المجهول تلح عليه لطلب التفسير والتأويل، رغبة في الاستعداد لما هو آت أو الفضول لكشف حجب المستقبل في أغلب الأحوال. عندها تتعاظم قيمة اكتشاف القادم إذا كان الشاعر هو من يحلم ويحذر ويكشف، فلماذا كان الشاعر بالذات؟ يجيب عن هذا التساؤل فرويد العالم النفسي حين يقول (الشعراء يعرفون كثيرا من الأشياء ماتزال حكمتنا المدرسية غير قادرة على الحلم بها لأنهم ينهلون من ينابيع لم نجعلها بعد قابلة للإدراك) هذا إذا علمنا أن بعض الحضارات كان تعتبر الشعراء فوق مستوى البشر. يقول هنري ميللر في كتابه «رامبو وزمن القتلة»: (سوف نستيقظ يوما لنرى مشهدا عصيا على الفهم، لقد ظل الشعراء ينذرون بهذا العالم منذ أجيال لكننا رفضنا أن نصدقهم) فلماذا لا نصدقهم؟!. وفي إبحار لتلمس تلك المصداقية نجد أنه في عام 1968م كتب الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي قصيدة اسمها (الموت في غرناطة) يستشرف فيها غزو العراق وسقوط بغداد يقول: ويجيء على العراق تحت سماء صيفه الحمراء من قبل ألف سنة يرتفع البكاء حزنا على صعيد كربلاء ولم يزل على الفرات دمه المراق ولم نصدقه أيضا فهو شاعر !! ولم تكن الشاعرة ببعيد عن وجع الوطن ومستقبله المثخن بالآلام تقول نازك الملائكة في قصيدة لها بعنوان (استعمار) عام 1961م: أبصرته يسلبني أمشاطي الزجاج يسرق ما أملكه من مخمل وعاج ويستبيح غرفتي ويأخذ الستار يسلبني العريش والسياج... ونحمد الله أن مصير نازك الملائكة لم يكن مثل مصير زرقاء اليمامة عندما أبصرت العدو قادما، والأشجار تتحرك صوب قومها فحذرتهم من موت يزحف نحوهم!! فاتهموها بالجنون (وهل تسير الأشجار) وعندما أبادهم ذلك العدو القادم لم يكن مصير تلك الزرقاء غير فقء عينيها!! لتظل المرأة صوتا مجهولا روحيا نأبى الاستماع إليه!.