كلما طالعت الصحف وصدمتني كثرة ما فيها من أخبار الاعتداءات والإيذاء والتعذيب يقع من بعض الناس على بعض، شغلني التفكير في طبيعة الإنسان وما يحكم سلوكه وتفاعلاته مع من حوله. هل نحن شعب عنيف بالفطرة أم أن فهمنا للعنف اختلط بمفاهيم أخرى تتعلق بمعاني العزة والكرامة والإباء؟ ثقافتنا العربية تجسد المثل الأخلاقية العليا التي تبثها للناس، من خلال تمجيد صور العنف وأشكاله المختلفة، فهي تزخر بما يربط التغني بالعزة والكرامة والشجاعة والإباء، بالعنف وسفك الدماء، حتى لتتحول تلك المثل السامية إلى أدوات إيذاء تتضمن الشر في باطنها، فالشرف الرفيع، (ولا أدري إن كان يمكن تصنيف الشرف إلى رفيع وغير رفيع)، لايحافظ عليه إلا بالقتل، والكرامة والعزة لاتتحققان إلا بعرض الرماح وغمس السيوف في الدماء. ثقافة الحجاج والرؤوس اليانعة المهيأة للقطف، في ما يعم ويشيع من ثقافة بين الناس، حيث تبدو القوة المؤسسة على العنف صفة تستحق الفخر والتباهي بها. «وتخالنا جنا إذا ما نجهل»، «سود وقائعنا»، «حمر مواضينا»، «جاء شقيق عارضا رمحه، إن بني عمك فيهم رماح»، «إذا ما غضبنا غضبة مضرية، هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما». والتمادي في العنف يقود إلى تمجيد ثقافة زياد بن أبيه، شق الطريق وفرض السيطرة من خلال البطش وبث الرعب في القلوب، وهي ثقافة تقف صلبة وراء السلوك العام الذي يسود بين الناس، فحين تضحي ثقافة «فليحذر كل منكم أن يكون من صرعاي»، هي الهادي في طريق الحياة، يتحول الناس إلى أسرى التباهي بالقوة والتفاخر بالعنف في غرور أحمق.. لكن هذا لايعني أن ثقافتنا العربية كانت تمجيدا محضا للعنف، فهي إلى جانب صور العنف البشعة التي ترتسم على محياها هناك صور أخرى يتجسد فيها ما هو عكس ذلك تماما، حيث يتردد في مجالات كثيرة التباهي بالعفو والتسامح والترفع عن الحقد والكراهية، «فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم، وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا»، «ولا أحمل الحقد القديم عليهم، وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا»، «رب رام لي بأحجار الأذى، لم أجد بدا من العطف عليه».. فالتغني بالتسامح والحلم وضبط النفس هو من الصفات الأخلاقية العليا التي يعتز بها العرب ويتفاخرون بالاتصاف بها. ثم بعد أن جاء الإسلام دعم تلك القيم وأيدها (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، (فاعف عنهم واستغفر لهم)، (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب). إلا أن الناس مع ذلك، ظلوا يخضعون لوجه الثقافة المحمل بالعنف، وينفرون من وجهها المجمل بالتسامح والعفو والمغفرة. وهذا ما يبعث على التساؤل؟. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة