تحوي كتب التراث العربي نماذج كثيرة من الأمثال والحكم والأبيات الشعرية، التي تتضمن في مجملها تمجيد مقابلة الأذى بأذى أكبر منه، ومواجهة الشر بشر أعظم مثل (إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا)، (إن بني عمك فيهم رماح) (ألا لا يجهلن أحد علينا، فنجهل فوق جهل الجاهلينا) وغيرها كثير مما تزخر به تلك الكتب، ولو أردت عرض جميع تلك النماذج لربما احتجت إلى مؤلف كامل ويزيد. هذه النماذج الثقافية التي تتباهى بالعنف وتعتز بالقدرة على الانتقام والأخذ بالثأر أضعافا مضاعفة، لم تعد حبيسة كتب التراث لا تصل إلا لمن يطلبها، وإنما استطاعت أن تمد أرجلها لتتسلل إلى كتبنا المدرسية فتندس فيها، لتضخ مضامينها في أذهان طلابنا وطالباتنا حتى تتغلغل في عروقهم وتمتزج بدمائهم، ثم بعد أن يعودوا إلى البيوت يجدون في انتظارهم ما يوثقها في نفوسهم عبر ما يسمعونه يتدفق على ألسنة الكبار من حولهم من تحريض على الفتك بالآخر والانتقام منه على غرار (أدبه) (لا تسكت له) (خذ حقك بيدك) (لا يحسبك خايف منه)... إلخ. هذه الثقافة التي لا تعترف بالتسامح فتصنفه ضمن الضعف والخور، تنشئ الفرد على مفاهيم الأخلاق البدائية، التي تمجد أخذ الحق باليد وترفع من شأن العنف والعدوان حتى لترى فيه مصدرا للفخر والتباهي. يشهد على ذلك ما تمدنا به صحفنا كل صباح من نماذج السلوك العدواني، فالثقافة المتداولة تلقن الفرد أن يلطم الطبيب متى اختلف معه، وأن يركل الحارس متى أغضبه، وأن يجلد الزوجة متى لم تطعه، وأن يخنق المرأة متى أزعجته بصراخها. إن الفرق بين الإنسان المتحضر والإنسان البدائي هو أن الأول يخضع للأنظمة والقوانين ويلزم نفسه بقيم سلوكية عامة يتفق عليها الناس من حوله، أما الثاني البدائي فإنه غالبا ينساق وراء انفعالاته حين تغلب عليه المشاعر الغريزية المعنية بإرضاء الذات وحدها وتحقيق رغباتها، بصرف النظر عما يقع للآخرين الذين يتقاسم العيش معهم من أذى بسبب سلوكه. وإذا كان الأمر بهذه الصورة، كيف لنا أن ننقل هذا الإنسان البدائي إلى حياة الحضارة والتمدن؟، كدت أقول بالتعليم، لولا أني تذكرت أن عددا كبيرا من تلك الاعتداءات تنسب إلى متعلمين!، فهذا موظف كبير يعتدي بشراسة على حارس منشأته، وهذا معلم يحطم رأس تلميذه ليؤدبه، وهذا مكلف بتوجيه الناس وهدايتهم يحل مشكلاته معهم بالاعتداء عليهم... إلخ ما ينشر يوميا من أخبار الاعتداءات. فالمسألة إذن ليست مسألة شهادات تعليمية يحملها الفرد فتنقله من مرحلة البدائية إلى التحضر، ويبدو أن الأمر أكثر تعقيدا، فماذا نفعل؟، كيف نتخلص من هذه الثقافة البدائية المتغلغلة في أعماق النفوس؟. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة