الحياة في مجملها تقوم على «ثنائيات» متناقضة، ولولا هذا التناقض لما كان للحياة طعمها الذي ألفناه وتعايشنا معه شئنا أم لم نشأ، وهذه هي فطرة الله التي فطر الناس عليها منذ بدايات الخليقة وإلى أن يريد الله بما يريد لهذه الحياة من فناء. حق وباطل، جمال وقبح، ليل ونهار، حياة وموت، خير وشر، ثنائيات متلازمة يكمل أحدها الآخر رغم تباينها وتضادها ومن خلال هذا التباين والتضاد انبثقت قوانين الحياة وتفرعت عناصرها ونشأت صراعات أليمة بين المخلوقات المختلفة التي يأتي في مقدمتها الإنسان الذي كرمه الله وميزه عن سائر مخلوقاته بالعقل، وأشار سبحانه وتعالى إلى نفسه بأنه خلق هذا الإنسان في أحسن تقويم ثم هداه السبيل «إما شاكرا وإما كفورا»، ولأن الله جلت قدرته قد جعل العقل ميزة هذا الإنسان إلا أنه قد جعل لكل واحد فطرة خاصة فطره عليها وحكم تصرفاته ومسيرته في هذه الحياة بها. هناك أناس يعرفون أن الحق حق فيتبعونه، ويعرفون أن الباطل باطل فيجتنبونه، ومن خلال مسيرتهم الحياتية يكتسبون الحكمة وتصقلهم التجربة وتنعكس عطاءاتهم وسلامة منطلقهم على الآخرين إيجابا ونفاذ بصيرة وحسن معالجة لمصاعب الحياة وتنوع أحداثها. وعلى العكس من ذلك توجد نوعيات أخرى من بني الإنسان قد تعوزهم رجاحة العقل وحكمة الاتزان وتسيطر عليهم محدودية بعد النظر الكامنة خلف الأشياء، وأمثال هؤلاء أو عدد غير قليل منهم يقعون فريسة للشيطان الذي يضلهم ويزين لهم أعمالهم الشريرة ربما عن طريق الوساوس والإيحاءات الشيطانية المباشرة التي تجري في الإنسان مجرى الدم كما جاء في الحديث وربما لوقوعهم تحت تأثير شياطين الإنس الذين يزينون لهم باطلهم ويستغلون بساطة عقولهم ونياتهم التي هي في الأساس مجبولة على حب الخير ولكنهم يقعون تحت تأثير من يزين لهم أعمال الإثم والعدوان ومعصية الرسول فينساقون كما تنساق الأنعام إلى مصيرها المحتوم منصاعين انصياعا أعمى مغلفا بقناعات غرستها في دواخلهم قيادات ارتدت لباس التقوى المزيفة والصلاح المؤدلج المسخر لخدمة أهداف بعيدة يضحي من أجلها هؤلاء المخدوعون بأنفسهم، وليت الأمر يقتصر على ذلك ولكنهم تحت تأثير مريديهم يعيثون في الأرض فسادا فيقتلون أنفسا بريئة حرمها الله ويرملون نساء وييتمون أطفالا ويزعزعون أمن بلدان آمنة مطمئنة تحت ذريعة الجهاد وتهيئاتهم السخيفة وما أولئك بالمؤمنين.