لعل حضارة اليوم تختلف عن كل حضارات العالم التي سبقتها بأنها تدخل بأثرها المادي، والفكري إلى العمق الاجتماعي عن طريق أصغر مكونات الأسرة متجاوزة السلطة المرجعية للأب، والأم، والعشيرة، والقبيلة، فتؤثر في عمق التشكل فرديا بخيرها وشرها، ولعلكم ترون فارق الهوة بين الأجيال، وقد قصر إلى أقل من عقد من السنين بعد أن كان في الماضي يصل إلى خمسة عقود، لأن الأجيال الشابة المنفتحة بدون حدود على العالم صارت تتلقى التغيير بإرادة، أو بدون إرادة، ولا طريقة من الطرق تنفع في تنقية ما يصل إلى عقل الفرد إلا ببناء على أساس النفعية المهذبة لديه، التي تجعله يعرف الخير، والشر من خلال ذاته، وليس من خلال ما يقال له. الوقوف على منابر الخطب، وأجهزة الإعلام لشتم مفردات من الحضارة المعاصرة لا يغير شيئا، ولن نضفر منه بطائل، ولكن أن نزرع ديننا الصحيح المتسامح، وعاداتنا الفاضلة في مقابل ما يأتي فهذا هو العمل الصحيح. كلنا نعرف بلا جدل أن رقي الحضارة الإسلامية في عصور إشراقها كان بسبب تمازجها مع حضارات أخرى، وكان الأمر حينها بيد المسلمين أن ينغلقوا على أنفسهم، لكنهم رأوا ببصيرة أن ما هو مفيد لغيرنا مفيد لنا، وما هو مضر لغيرنا يصير بالضرورة مضر لنا. اليوم وفي حال من أفول حضارة الأجداد بالتقادم، ظهر من أبناء الإسلام من يجتهد في الحرب على الحضارة، والتنوير عن منجزاتها، ويعتقد بغير علم أن حضارة الأمم الأخرى خطر علينا، مع أننا ننعم بكل معطياتها، بل إن هذا البعض يحاول عبثا صدها بأساليب النصح القديم، دون تقديم بديل يملأ الفراغ الحضاري، ويقدم نموذجا قابلا للتطبيق، مع التنشئة الصحيحة بمعطيات دفاعية، تقبل الخير، وتنبذ الشر على وسط مقبول ليس وسط المتشددين بالاجتهاد ولا وسط المفرطين في الانفتاح. هنا أدعو إلى قبول سمح بمعيار الخير والشر البين، فكل تقدم يقدم إيجابيات أكثر من السلبيات وليس على معيار شخصي يفترض الشر أكثر من الخير في كل جديد ومحدث. أعود لما بدأت به وهو أن الحضارة لا تصد بمنع تدفقها، فهي نافذة لعمقنا الاجتماعي بقوة، ولكننا نستطيع ترسيخ المقاومة القوية بثقافة مبنية بناء صحيحا، يقدم البديل لأن الحضارة حاجة في أصلها وليست ترفا، والعالم منذ الأزل يتقدم ولا يتأخر، لكن الناس يتقدمون، أو يتأخرون. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 240 مسافة ثم الرسالة