هل انتقل مركز الطرب العربي الأصيل إلى المغرب العربي وبشكل خاص الى تونس والمغرب؟ فبعد كريمة الصقيلي ولطفي بوشناق وصلاح مصباح، امضى جمهور دار الأوبرا السورية أخيراً، سهرة طربية مميزة مع المطربة التونسية درصاف الحمداني في حفلة تألقت فيها بصوتها الجميل وبحضورها الآسر، على رغم أنه لم يسبق الحفلة أي حملة دعائية، باسثناء أخبار صغيرة في الصحافة السورية وبعض الملصقات داخل دار الأوبرا. وهذه مشكلة تعاني منها معظم حفلات دار الأوبرا الدمشقية. على امتداد نحو ساعتين وقفت درصاف على مسرح الدراما في دار الأوبرا في دمشق، تقدم كل فنون الغناء العربي بأناقة واقتدار. بدأت بأغنيتين تونسيتين، الأولى «طير الحمام» تلحين محمد الماجري وهو من الملحنين الحديثين. والأغنية وطنية انسانية تدعو إلى السلام، وتدعو المغتربين إلى العودة إلى أوطانهم . ثم قدمت أغنية «ربي اعطاني» تلحين خميس الترنان أحد الملحنين التونسيين الكبار في النصف الأول من القرن العشرين. وانتقلت إلى اللون المصري فقدمت أغنية اسمهان «ليالي الأنس في فيينا». لكنها لم تؤد أغنية «فرّق ما بينا ليه الزمان» التي وردت في البرنامج الذي وزع على الجمهور على أنها من تلحين محمد عبد الوهاب، وهي في الحقيقة من تلحين محمد القصبجي. ولم تحل السهرة من دون ألحان محمد عبد الوهاب الذي غنت له «مضناك جفاه» و «قوللي عملك إيه قلبي». وعلى سبيل التلوين قدمت أغنية «ما بنتكلمش» من ألحان فاروق الشرنوبي. أدت درصاف هذه الأغاني التي لا تحتاج إلى قدرات صوتية كبيرة، بسهولة. لكن قدراتها الصوتية تكشفت عند أدائها الدعاء الديني «برضاك ياخالقي» تلحين رياض السنباطي وهو في الأصل لأم كلثوم. وأبدعت درصاف في أداء الدعاء الذي يعتمد على الارتجال وتكرّر الأمر نفسه في الأغنية الدينية «إله الكون» التي كان السنباطي لحنها وغناها بصوته. ووصلت درصاف إلى قمتها مع أغنية «للصبر حدود» التي لحّنها محمد الموجي لأم كلثوم. فأثبتت علو كعبها كمطربة كبيرة، إذ جالت وصالت بصوتها مستخدمة كل مساحته الواسعة من القرار إلى الجواب، إضافة إلى اللعب الذي قامت به فأدهشت الجمهور وأطربته. ودرصاف ليست مجرد مطربة فقط، فهي باحثة موسيقية متعمقة في التراث الموسيقي والغنائي التونسي والعربي. تحمل ماجستير في العلوم الموسيقية وشهادة الدراسات المعمقة من جامعة السوربون في باريس. ثم صقلت موهبتها بشكل عملي في المعهد الرشيدي في تونس، وهو من أعرق الأندية الفنية في تونس وأقدمها. ورافقت درصاف في حفلتها أوركسترا طرب بقيادة ماجد سراي الدين. وهي من أفضل الفرق السورية الآن وتضم نخبة من العازفين المميزين.