في مجموعته القصصية، «نزف من تحت الرمال»، الصادرة حديثا عن مختارات نادي القصيم الأدبي، يعمد القاص السعودي حسن البطران، إلى التواري خلف نصوص محسوبة بدقة، وشديدة الخصوصية والشاعرية، وتطمح لأن تنزف بعمق، وتنزف معها الحياة كلها، ولكن بدفقات أو جرعات مكثفة. هو نزف حقيقي، ولكن تغطيه رمال الحزن، ولا بد للذي يريد لمسه، أن يغوص كثيرا في تلك الرمال حتى يصل. عبر عشرات من تلك المقاطع الساحرة، التي يصفها الكاتب بالقصص القصيرة جدا، وأصفها باللوحات المضيئة في معرض متكامل، يضم شتى ضروب الإبداع، تجد ما لا يخطر على البال، شخوص يموتون ويحييون، حزن يتكون ويرحل، قصص حب وقصص موت، وثراء قلما يشاهد في القصة القصيرة جدا. إنه ثراء الشعر كما أعتقد، ذلك الذي تلمه المخيلة المبدعة من مشاهدات يومية، أو ذكريات قديمة، أو حوادث طارئة، ولكن لا تنثره هكذا جافا وخشنا، وإنما رقيقا سلسا، ينساب إلى ذهن القراءة بسهولة. وقد عثرت في تلك المقطوعات الصغيرة، على قصائد شديدة النضج، ومشاريع روايات، أعطتنا خلاصتها من دون ضياع أو توهان، وكأن بالبطران، يضع أمامنا حكمته ويترك لنا خيار أن نتذوقها أو نتذوقها أيضا. في نص مثل (توهم)، نجد الغريق في وسط الماء، ويستغيث/ طالبا صب الماء على قلبه العطشان، هنا أتخيل الشخص الذي يعيش وسط الترف بلا ترف، الذي يحيا ولا يحس بالحياة، والذي يغرق الآن، ولا يعثر على الماء الذي يغرسه في الغرق أكثر. إنه تماما قول الشاعر السوداني القديم (الحردلو ولد أبو سن)، حين يصف حالة قلبه العاشق الذي يحوم حول المحبوبة ولا يستطيع نيل رضاها، بإبل الرحيل التي تحمل الماء على ظهورها وهي عطشى. وفي نص آخر مثل (منظار) الغني بدلالاته، نجد الناس يتطلعون ليطلهم على قمة نخلة، يجني منها الرطب، منبهرين به، ولا يراهم البطل إلا مجرد رعاع، لن يصلوا إلى موضعه العالي سوى بأحلامهم فقط، وهكذا في نصوص عديدة ومتشعبة، يستمر النزف المغطى برمال الحزن، وتستمر معه أذهاننا في النبش، فتحصل على قطرات، ولا تحصل على النزف كاملا. أعتقد شخصيا، أن القصة القصيرة جدا، خاصة ما أنتجه حسن البطران، قد دخلت بقوة إلى ساحة الإبداع، وبدأت تعثر على قارئها الحالي والمستقبلي، خاصة ذلك القارئ الفار من الشعر، الذي لا يملك وقتا أو صبرا لقراءة رواية، ومجموعة نزف من تحت الرمال، تمثل طموح جيل جديد لكتابة قصة رشيقة وسلسة، وفي نفس الوقت شديد الغنى والتعقيد. للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة