هذه قصة تفوح منها رائحة الانفلات الروحي، سخية بمظهر البخل وحب الذات، هذه قصة والدين أرضعا ابنهما من ثدي الموت وتركاه فريسة لليأس الأعمى، هذه قصة شاب هرب من الحرب فلاحقته إلى قبره، هذه قصة ليس فيها تزييف للحقيقة بل هي الحقيقة المدهشة كانفتاح الدهشة في عيني طفل وجدتها على «الإنترنت» أصابتني وأنا أقرأها بالحزن .. حزن طويل .. مقفر وموجع .. لم يثنني ذلك الحزن عن أن أترجمها لكم لأنها موغلة في العمق والدلالة .. تحلق في مجازات الفقد والانكسار والأنانية .. تقول القصة إبان الحرب الأمريكية الفيتنامية رن جرس الهاتف في منزل من أحياء كالفورنيا الهادئة، كان المنزل لزوجين مسنين ليس لهما في الحياة سوى ابن واحد التحق بالجيش الأمريكي، كان القلق يغمرهما على ابنهما الوحيد يدعوان الله لأجله باستمرار .. ما أن رن جرس الهاتف حتى تسابقا لتلقي المكالمة في شوق وقلق، الأب: هلو من المتحدث، الطرف الثاني: أبي أنا كلارك كيف حالك يا والدي .. كيف حال والدتي؟ الأب: كيف حالك يا ابني متى ستعود؟ هل أنت بخير؟، كلارك: نعم أنا بخير وقد عدت من يومين فقط، الأب: حقاً ومتى ستعود إلى البيت .. أنا وأمك نحبك جداً وفي أشد الشوق لرؤيتك، كلارك: لا أستطيع أن أحضر الآن يا أبي فمعي صديق فقد ذراعيه وقدمه اليمنى في الحرب وبالكاد يتحرك .. هل أستطيع أن أحضره معي يا أبي؟ الأب: تحضره معك!!، كلارك: نعم فأنا لا أستطيع أن أتركه وهو متردد في العودة إلى أهله على هذه الصورة بل إنه يجد صعوبة في مواجهتهم .. إنه يتساءل هل يا ترى سيقبلونه على هذه الحالة أم أنه سيكون عبئاً وعالة عليهم!!، الأب: يا ابني ما لك وما له أتركه لحاله دع الأمر للمستشفى ليتولاه .. أن تحضره معك فهذا مستحيل!! من سيخدمه؟ من سيتولى رعايته؟ أنت تقول إنه فقد ذراعيه وقدمه اليمنى .. سيكون عالة علينا .. كلارك هل ما زلت تسمعني؟ لماذا لا ترد؟، كلارك: أنا أسمعك يا أبي .. هل هذا قرارك الأخير؟ الأب: بالطبع يا ابني اتصل بأحد أفراد عائلته ليأتي أحد منهم ويستلمه ودع الأمر لهم!، كلارك: ولكن هل تظن يا أبي أن أحدا من عائلته سيقبله على هذه الصورة؟، الأب: لا أظن يا ولدي .. لا أحد يقدر أن يتحمل هذا العبء مهما كان مقدار حبهم له!!، كلارك: لابد أن أذهب وداعاً!!. وبعد يومين من المحادثة انتشلت القوات البحرية الأمريكية جثة المجند كلارك من مياه خليج كالفورنيا بعد أن استطاع الهرب من مستشفى القوات الأمريكية وانتحر من فوق أحد الجسور بعد أن سيطر عليه الجفاف النفسي مختفياً في شتات الضباب المصبوغ برائحة الموت.. ودعي الأب لاستلام جثة ولده وكم كانت دهشته عظيمة عندما وجد الابن بلا ذراعين ولا قدم يمنى .. لاحقاً أخبره الطبيب أنه فقد ذراعيه وقدمه اليمنى في الحرب!! عندها فقط.. فهم الأب بأنه لم يكن هناك صديق لابنه بل كانت الحالة هي ما كان عليها كلارك .. عند ذلك لم يعد في مقدوره ما يفعله سوى أن يطلق صرخة غاضبة كانت في البداية بحجم سماء ثم صارت تخفت وتتقلص إلى أن أصبحت بحجم تابوت ابنه الذي حمله على كتفه مع آخرين .. كان فوق التابوت جواز سفر كتب عليه «منتهي لوفاة صاحبه»، ثم عاد الأب لمنزله بعد ذلك ليجد زوجته ممدة في الفراش .. مستسلمة للخلاص .. قالت له دفنته على عجل ولم تقدر وجعه وموقفه .. سيقولون يوماً إنه مات دون أن يغفر لنا .. آه كم أحببته .. لم أبحث يوماً عن غفرانه .. بحثت عن حبه .. ماذا أفعل بالغفران بعد أن فقدته، والعبرة في القصة واضحة .. إننا إن أحببنا فيجب أن نحب بعضنا على علاتنا وقصورنا وضعفنا وإننا في هذه الحياة لا نستطيع أن نخدم سيدين في آن واحد سيد الحب وسيد أنانيتنا .. فالحب له عدو واحد حب الذات .. وإننا إذا أحببنا حقاً فإننا نبلغ ملكوت الحرية؛ لأننا نتحرر من الأغلال التى تصفدنا وهذا يعني أننا تحررنا من ذاتنا وأنانيتنا .. وأن الحب لا ينفي الصعاب والآلام والكوارث ولا يتجاهلها بل يتعامل معها ويمنحها معناً.. وأن الحب كقرص الشمس يطفو دائماً فوق الماء وأن الإنسان عندما يعجز عن أن يعيد إنساناً فقده بإرادته يصبح الحزن والعذاب والألم أقل ثمنا يدفعه. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 134 مسافة ثم الرسالة