يعيش السودان حالة من الاستنفار اليوم لانطلاقة أول انتخابات تعددية منذ ربع قرن في أكبر بلد أفريقي خرج قبل خمس سنوات من حرب أهلية ضروس، ولا يزال يشهد حركة تمرد في دارفور، وتململا في الجنوب الذي يستعد لتقرير مصيره بشأن الوحدة أو الانفصال مطلع 2011. وأكدت المفوضية القومية للانتخابات إنهاء الاستعداد في مجمل أنحاء البلاد، التي تبلغ مساحتها مليونين و500 الف كلم مربع، ليتمكن نحو 16 مليون ناخب مسجلين من الإدلاء بأصواتهم من الأحد إلى الثلاثاء؛ لاختيار الرئيس والبرلمان الوطني ومجالس الولايات. ولكن المفوضية كانت لا تزال توزع السبت بطاقات الاقتراع إلى مختلف المناطق في بلد مترامي الأطراف. بدوره، قال الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، الذي تشرف مؤسسته على الانتخابات، إنه يتوقع أن تسير الأمور على ما يرام، موضحا الجمعة غداة وصوله إلى الخرطوم: «لا نرى سببا يدعو إلى القلق، ما عدا بالنسبة إلى بعض المحطات النائية. المواد الانتخابية قد تصلها متأخرة بعض الشيء، لكن لديهم ثلاثة أيام على الأقل للإدلاء بأصواتهم». وغذت المخاوف بشأن الاستعدادات اللوجستية، الجدال في السودان بشأن تأجيل الانتخابات. وانتقدت بعض أحزاب المعارضة، خصوصا قيام مفوضية الانتخابات بطبع بطاقات الاقتراع للانتخابات الرئاسية في مطابع حكومية بدلا من أن يعهد بها لشركة سلوفاكية اختيرت في وقت سابق. وأنهت الأحزاب السودانية والمرشحون للرئاسة الجمعة حملاتهم الانتخابية، وعلى رأسهم الرئيس عمر البشير الساعي إلى تاكيد شرعيته، فيما يسعى حزبه للحفاظ على الغالبية في المجلس الوطني (البرلمان) الذي يعد 450 مقعدا. وتشكل الانتخابات ورقة مهمة بالنسبة للرئيس البشير لتأكيد شرعيته في وجه الغرب والمحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت بحقه مذكرة توقيف بتهم تتعلق بالحرب في دارفور قبل سنة. وقال البشير في آخر خطاب ألقاه بعد حملة جاب خلالها البلاد، في حي (أمبدة) الشعبي على أطراف أم درمان مساء الجمعة: «ما بنخلي خواجه يهين البلد دي بقمح أو تجارة أو محكمة دولية، دي كلها بنخليها ونمشي لقدام». وأكد البشير في مقابلة مع قناة (الشروق) التلفزيونية السودانية الخاصة أنه سيولي جل اهتمامه للحفاظ على وحدة البلاد، مؤكدا أن استطلاعا أجري في جنوب السودان أظهر أن «30 في المائة» فقط من الجنوبيين يؤيدون الانفصال. وبموجب اتفاق السلام الشامل الموقع في 2005 في نيفاشا، من المقرر أن ينظم مطلع 2011 استفتاء على تقرير مصير جنوب السودان. لكن يشترط لقبول نتيجة الاستفتاء مشاركة 65% من الناخبين المسجلين في الولاياتالجنوبية العشر، بالإضافة إلى السودانيين الجنوبيين المقيمين في الشمال. وينبغي أن تكون نسبة التأييد 50% زائد صوت واحد. وأبدى البشير استغرابه لانسحاب حزب الأمة من الانتخابات بعد أن أكد أنه تمت الاستجابة ل90 في المائة من شروطه. ومع سحب الحركة الشعبية لتحرير السودان، مرشحها إلى الرئاسة ياسر عرمان، بات مرجحا أن يتقدم البشير من الدورة الأولى للانتخابات منافسيه السبعة وأبرزهم حاتم السر، مرشح الحزب الاتحادي الديمقراطي، وإن كانت فرصه ضئيلة عمليا. وبعد انسحاب حزب الأمة من الانتخابات، فإن الأحزاب الأربعة الرئيسة الباقية في السباق، إضافة إلى المؤتمر الوطني؛ هي حزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي، الحزب الاتحاد الديمقراطي والحركة الشعبية لتحرير السودان التي يمكنها من خلال المناطق أن تضمن السيطرة على نحو 25% من مقاعد المجلس الوطني الذي يسيطر المؤتمر الوطني بزعامة البشير حاليا على 52% من مقاعده. وخاض الرئيس البشير حملة انتخابية كثيفة حملته إلى الجنوب، دارفور في الغرب، كسلا في الشرق ومناطق الشمال. ومنذ الآن، أعلنت أحزاب (تحالف المعارضة)، وبينها حزب الأمة، الحزب الشيوعي والوطني الاتحادي عدم اعترافها بنتائج الاقتراع الذي دعت الناخبين إلى مقاطعته. وقال رئيس حزب الأمة الصادق المهدي الجمعة: «إن الأحزاب التي قاطعت تريد انتخابات نزيهة»، مكررا موقفه القائم على المطالبة بتأجيل الانتخابات، الذي رفضته مفوضية الانتخابات. وقبل أقل من 24 ساعة على بدء الانتخابات، لا تزال تصدر تصريحات متضاربة عن الحركة الشعبية بشأن المشاركة في الانتخابات في شمالي البلاد. وقال مرشحها المنسحب ياسر عرمان إن قرار المقاطعة في ولايات الشمال لا يزال قائما، وإن مشاركتها ستقتصر على الولاياتالجنوبية العشر والنيل الأزرق وجنوب كردفان. وينتخب سكان الجنوب بالإضافة إلى الرئيس وأعضاء البرلمان، رئيس حكومة جنوب السودان المتمتع بحكم شبه ذاتي ومجلسهم التشريعي. وعلى الأرض، عززت قوات الأمن السودانية والقوات الدولية والمنظمات الدولية انتشارها الأمني، حيث يخشى أن تشكل الانتخابات ذريعة لاندلاع موجة من العنف في بلد لا يزال يعاني من النزاع الدائر في إقليم دارفور غربي البلاد، ومن مواجهات قبلية في الجنوب. وتنشر الأممالمتحدة نحو عشرة آلاف جندي وشرطي في جنوب السودان والمناطق الحدودية بين الجنوب والشمال. بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي الذي ينشر 130 مراقبا للانتخابات في السودان، ومؤسسة كارتر التي تنشر نحو 50 مراقبا، تشارك جهات عدة في مراقبة الانتخابات منها الجامعة العربية واليابان والصين. وانسحب المراقبون الأوروبيون الأربعاء من دارفور لأسباب أمنية.