كان استثنائيا مهرجان الجنادرية لهذا العام لبلوغه ربع قرن من عمره الحافل بالوطنية وعمق الانتماء، وفي تلك الفسحة التي اقتطعت من زمن المناسبة لتمارس المرأة فيها شيئا من البهجة، فاجتمعت واحات الخليج الست ليس برمالها، بل بمزيج رائع من الثقافة والأدب ولوحات بديعة لموروثها الشعبي، الذي أيقظ في دواخلنا مشاعر الفرح الجماعي التي تجاوزتنا السنين ونحن نمارس التهميش ضده ليعود باسما كما كان قبل أن نكسبه وقارا أثقله. وكان مختلفا أيضا لإبرازه قدرة المرأة السعودية على العمل المنظم وتحمل مسؤولية تفعيل مناسبة بحجم مهرجان الجنادرية واستضافة شخصيات نسائية من داخل المملكة وخارجها والقيام بالأدوار جميعها دون تقصير، مع رعاية وكرم كبيرين من حرم خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله) سمو الأميرة حصة الشعلان التي تواجدت معنا في حضور عكست من خلاله اهتمام القائد بالمرأة ورغبته الصادقة في أن تصبح عضوا فاعلا يساهم في نهضة مجتمعه، بعيدا عن تلك النظرة التي تصور خروجها وعملها مخالفة للنصوص الشرعية وتمردا على واقعها ليأتي الرفض قويا في عملية المشاركة بالرأي أو حتى الحضور لبعض المناشط الثقافية، بل تجاوز الحد إلى إرهاب المكان المتواجدة فيه، وكأن سهام الحرب اتجهت لترمى بها بدلا عن ذلك النهج السوداوي الذي لا يرى في عينيه سوى صور الدم والرماد. وهذا التجلي في وضوح صورة الإقصاء لدى البعض حول ما يوحي بأن ثمة أنثى تتهيأ لتكون في الجوار طرحناه بوجل كتجمع ثقافي نسائي محدود على هامش حضورنا فعاليات الجنادرية لنسقط أسئلة كثيرة واستفسارات وجلة بقيت تدور حولنا لعجزها عن الوصول إلى من يملك آلية التغيير أو إضفاء صفة الشرعية على الأنشطة النسائية التي تئن وسط الرغبة في البروز والعجز عن تجاوز ما تحت البساط. وحقيقة، في مثل هذه اللقاءات، تتكثف صور التلاحم بينا ونتجاوز ضيق الأفق الذي يحصرك داخل مكان أو فئة ترمز للفردية والاختلاف، فكلنا قلب الوطن الواحد وإن اتسعت مساحته، والفكر وحده من يملك القدرة على إذابة الجليد وكسر الحواجز وفتح المجال لتتعرف إلى ثقافة الآخر ونهجه الذي ليس بالضرورة اختلافه عنا لمجرد افتقادنا قنوات التواصل التي تعيننا على استيعابه. والآن، والجنادرية تقفل أبوابها المشرعة على ماضينا الحافل بالأمجاد وقوافل الفكر تتقاطر عائدة، يسكننا أمل أن تزداد مساحة الثقة وأن تتسع الأماكن قليلا؛ لتكون المرأة السعودية أكثر عطاء وفاعلية بقدر ما لديها من طموح وعلم وثقافة دون أن تنتظر المناسبات، لتحتفي من خلالها بذلك الفيض المستتر، وعند المغيب يدور الفلك ليلا آخر ينتظر نهاره الذي قد يطول غيابه. وليتنا ندرك أن الوقت لم يعد يسعف لنستفتي الأمر في عملية مشاركة المرأة في حراكنا الثقافي والاجتماعي؛ لأن الزمن لن يقف بنا عند عتبة الإجابة عندما تأتيك بما تعجز عن الأخذ به كمسلمة أو رفضه لتعارضه مع الرغبة الجماعية في تحسين واقعنا للأفضل في ظل الثوابت التي لم تتجاوزها المرأة السعودية، بل ظلت هويتها التي أكسبتها التفرد والاختلاف.