من الصعب على الإنسان أن يصف غاليا فقده في غمضة عين، فالفراق صعب والحزن والألم يملآن قلبي. فمهما كتبت في رثائك يا أغلى إنسان على قلبي فلن تصف كلماتي حقيقة ما أشعر به، وما يجتاحني من شعور جارف بالفقد، ولن أوفيك ولو جزءا يسيرا من بحر عطائك وحبك وحنانك. لقد كانت آخر كلمات سمعتها منك لا إله إلا الله، فقد كنت دائم الذكر لله في حلك وترحالك، فبشراك يا والدي بحديث الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم): «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة». رحمك الله يا والدي رحمة واسعة. اللهم ابن له بيتا في الجنة واجمعنا به في ملتقى رحمتك وعظيم رضوانك، اللهم اجعل ما ألم به من مرض كفارة لجميع ذنوبه، واجعل آخر عذابه عذاب الدنيا، يا سريع الإجابة أجب دعاء قلبي المهموم والمحزون على فراقه. منذ وداعك امتلأت عيناي بالدموع، أبكيك شوقا وألما وحبا يا أعز الناس على قلبي. لقد أضحت أيامي جروحا ولحظات عمري سهرا ودموعا، ما أصعب الوقت وما أقسى الأيام بدونك. وتبقى ذكرياتك شريط مواقف ولحظات تمر أمامي كطيف جميل، وأشعر بوجودك كلما أضناني ألم الفراق وشاقني الحنين لسماع صوتك ونظرة عينيك المليئة بالحنان والحب والعطف. ما زالت أصداء نصائحك وتشجيعك الدائم ترن في أذني، لقد كانت آخر مرة أنظر إلى محياك والبسمة مرتسمة على وجهك، كما عهدتك دائما بشوش الوجه. لقد بثثت فينا الحياة المفعمة بالأمل، وعندما غبت غابت هذه الفرحة وتركت بقلبي فراغا لن يملأه أحد بعدك. وعزائي أنك أنت من علمتني الصبر والاحتساب عند وقوع المصائب، امتثالا لقوله تعالى: «وبشر الصابرين الذين إذا إصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون». لا أريد أن أعدد خصالك يا والدي الحبيب، فهي أكثر من أن تحصى، فالكرم والتواضع طبعك، محبة الناس والرجولة من شيمك، حسن الخلق والتسامح أصلك، ومحبة الفقراء هي سجيتك، وكنت تحب دائما أن تتصف بها فقد كنت شهما لا ترد أحدا. قضيت حياتك رجلا بسيطا صابرا ومحتسبا، متفانيا بحبه للصغير قبل الكبير وللفقير قبل الغني، احترمت الجميع فاحترموك، وأحببت الجميع فأحبوك بشعور صادق. كنت لي أبا ورفيقا وصديقا ومعلما، تعلمت في مدرستك وما فيها من دروس عظيمة نادرة الوجود في هذا الزمن، كنت يا والدي سهلا هينا لينا، وهي من صفات أهل الجنة، وتعطي لكل ذي حق حقه. رحلت يا والدي وما أصعب رحيلك. كم أحن إلى جلوسي معك وتقبيل رأسك الطاهر، كم أشتاق إلى حضنك الدافئ وإلى الاجتماع حولك نحن أبناءك وأحفادك حيث لم تكن تنسى ذكر الله فيها، فقد كان لك أسلوب سلس في إيصال الحكمة والموعظة والنصح للجميع. لقد كنت يا والدي من أحرص الناس على صلة رحمك، مبادرا إلى هذا الخلق الرفيع ولا تنتظر أحدا أن يبادرك، وحرصت دائما على بث تلك الفضيلة فينا يدا بيد مع رفيقة دربك الأم العظيمة والزوجة الصالحة التي كانت خير عون لك في صمتها وحكمتها ووفائها لك، فاللهم ثبتها وصبرها واجبر كسرها وكسرنا على فراقك، واحفظها لأبنائها وأحفادها. ولك العهد منا يا والدتي أن نكون سندك في الدنيا بإذن الله، يا من تكون الجنة تحت قدميك. كم تمنيت يا والدي أن ترى محبة الناس لك، والكلمات التي قيلت وكتبت عنك، والحزن الذي اعتصر جميع من عرفك، ودعائهم لك. وهذا ليس بغريب على الناس الذين عرفوا نبل أفعالك وتسامحك وتعاملوا معك، فهم شهود الله في أرضه، فبشراك يا والدي الحبيب. رحلت عنا ولكن ستبقى ذكراك وسيرتك الطيبة العطرة تاجا على رؤوس أبنائك وأحفادك ما حيينا. هذه بعض زفرات قلبي المكلوم على فراقك يا والدي الحبيب، سائلة الله العلي العظيم أن يتقبلك بقبول حسن وأن يفتح لك أبواب رحمته وأن يدخلك الجنة التي وعد بها عباده المؤمنين، ونسأله سبحانه وتعالى أن يأجرنا في مصابنا إنه سميع الدعاء. ابنتك المحبة: منال عبد الرحمن الجميح