الرأي والرأي الآخر، حوار غائب ومرفوع مؤقتا من الخدمة بين البشر، ويمكن إعادة الخدمة شريطة أن يكون الحوار حرا لا حدود له. إن لغة الحوار قضية باتت تمثل عبئا قويا على مجتمعنا وعلى أفكارنا ورؤيتنا، تثمل نقطة تحول في التعامل مع أنفسنا قبل التعامل مع أبنائنا وشباب مجتمعنا، وغيابها بالشكل الذي نريد ليس لأنها ثقيلة في معانيها وفكرها النير، ولكن للأسف لأنها غفلت عن الآداب والقيم التي خصصت من أجل رقيها. نعم إنها آداب الحوار، والرأي والرأي الآخر، ولا جدال في أن الخلاف في الحوار إرادة كونية. إن سعي مثقفينا وعلمائنا في إظهار أهمية الحوار والحقائق الكونية مع الالتزام بآدابه لخطوة هي الأسمى في تاريخنا المعاصر، إن الوقوف لحظات ولحظات أمام ذلك القصر الرائع ومعرفة الغاية من الدخول إليه والنظر إلى مقتنياته الثمينة الرفيعة المطرزة بالذهب والألماس والفضة، أصبح طلبا ملحا للنهوض بفكر متميز في آدابه وخلقه القويم، فالحوار إظهار للحق وتعليم للجاهل وإرشاد لكافة أمور حياتنا؛ لأنه بهذا الوجه يكون من أعظم القربات إلى الله متى توافرت الشروط وانتفت الموانع. لقد حان الوقت أن ننظر بمصداقية وبحرص إلى فوائد استعادة لغة الحوار المثمر، ذي الفائدة الفكرية العظيمة، غير متجاهلين فائدته الشخصية، حتى لو لم يلتزم البعض بتلك المفاهيم والمعايير. فلماذا نؤيد أن نذبح حتى لا نتألم من السلخ، استيقظوا لتلك التربية الصحيحة والحوار بين الوالدين وأبنائهم الذي أنجب وما زال ينجب محاورين رائعين صححوا عبر التاريخ الكثير والكثير من الأفكار، معتمدين بشكل مدروس ومحسوس على أسس مشتركة للحوار، والاحتكام إلى قواعد المنطق والقياس والتسليم ببديهيات المعرفة، وبديهيات السلوك، فكيف نتحاور مع من لا يرى أن في الصدق فضيلة، وفي الكذب رذيلة على سبيل المثال. ليس شرطا أن تكون أنت صاحب الفكر الأصح أو الرأي الأوحد الايجابي. يقول الإمام الشافعي في هذا: ما حاورت أحدا إلا وتمنيت أن يكون الحق إلى جانبه، لابد وأن نكسر تلك الحواجز الحديدة التي باتت تجبر الكثير منا على ارتداء قبعة الحوار الغائب، ويقسو علينا بفكر يهدم جسور الحوار مثل الخوف، والخجل، واستخدام المصطلحات غير المفهومة أمام محاور لا يفهم معانيها. محمد دهشان يونس