المسافة بين الأمل والألم أحيانا تكون أقرب مما نتخيل، وهي بالنسبة لمن استوطن القريات 150 كيلومترا يقطعها ليصل إلى عمان الأردنية. وهذا ما فعلته والدتي الغالية عندما داهم الوجع قلبها المليء بالحب والحنان، فلم تجد مفرا من الهروب غربا لعلها تجد لقلبها ملاذا يعيد له بعضا من وهجه ونبضه. المستشفيات الجيدة أصبحت فنادق خمس نجوم، و«الحسابة بتحسب» على رأي الممثل عادل إمام، والغريق يتمسك بقشة، هكذا يسير السيناريو بأحداثه. لم تكن السفارة بعيدة عما جرى ويجري، فهي في قلب الحدث منذ اللحظات الأولى، وهذه شهادة حق تتابع وتسعى لتقديم ما بوسعها، حتى أنها سعت بكل الحلول الممكنة عبر مخاطبة الجهات المختصة رسميا لنقلها عبر الإخلاء الطبي للمراكز الطبية المتخصصة في الرياض، لأن الأمر لا يحتمل تضييع المزيد من الوقت، لكن تبقى البيروقراطية لعنة لا تؤمن بالوقت، ولا بأهمية أرواح البشر، فكلها في نظر البيروقراطية، أوراق ومعاملات لا داعي للاستعجال فيها مهما كان الثمن. ويبقى المريض ممددا بين الألم والأمل و«الحسابة بتحسب»، والأعصاب مشدودة، لكن القرار لا يحتمل الانتظار وفق مقتضيات الحالة، فهل تتحمل البيروقراطية تبعات النفس الطويل مع من لا يملك قلبه طول النفس، ويسدد فواتير مستشفيات الخمس نجوم إذا كانت النتيجة إنقاذ روح طاهرة؟. هناك مسائل أتصور أنها بأمس الحاجة لكي تتخذ حيالها قرارات واضحة وملزمة، ومنها أوضاع من يبتليهم الله بأمراض حرجة تستدعي سرعة البت والتدخل الإيجابي. وأجزم أن أرواح المواطنين هي الأغلى عند ولاة الأمر، وأن إنقاذها له الأولوية مهما كان الثمن والمواطنة ليست فنادق نقيسها بعدد النجوم. إن كل مريضة سعودية هي أخت لي وأم، وكل مريض هو أخ وأب، والدولة تضخ مئات المليارات لصحة المواطن، ورغم ذلك حالات الوفيات لأسباب كثيرة في ازدياد. وهنا يكمن السؤال الذي لا يزال حيا والناس تموت.. أين الخلل ومن يتحمل الذنب؟. لماذا لا تضخ أموال للسفارات في الخارج يملك مسؤولوها حق تحمل مصاريف علاج المواطن، الذي يجد نفسه مرغما في مواقف مماثلة، وهي من يقدر طبيعة الحالة وظروفها، لأن إنقاذ الأرواح يحتاج إلى سرعة اتخاذ القرار وحفظ كرامة المواطن، وقبل ذلك حياته بعيدا عن المخاطبات التي تسير الهوينى كالسلحفاة ببركة البيروقراطية. تحية تقدير واعتزاز لسفيرنا في الأردن لمواقفه المشرفة مع كل مواطن سعودي، وأكثر الله من أمثاله. [email protected]