يمكن اعتبار الأسرة صغيرة الحجم من حيث عدد أفرادها، ولكنها أكبر من ذلك بكثير من حيث تأثيرها عليهم وهم الذين مع مجموع أفراد الأسر الأخرى يكونون المجتمع ويؤثرون عليه لما فيه الخير أو العكس. وبتعبير مألوف وصحيح: إن صلح أعضاء الأسرة صلحت الأسرة كلها، ولذلك استحقت الأسرة أن تعتبر منذ القدم خلية المجتمع والأساس الذي يبنى عليه أيا كان هذا المجتمع. وإذا ما اعتبر مجتمع ما على أساس أنه عبارة عن مجتمعات ذات أحجام مختلفة ومتداخلة ومتشابهة في موقع جغرافي متصل، فإن ما يجمعها من قاسم/ قواسم مشتركة توحدها مكونة منها الشعب أو الدولة (الأمة). وتأتي نوعية أداء أي شعب بحسب نوعية وأداء مجموع أفراد أسره «السكان أو المواطنين». ولذا فإن كل ما يعمل ويبذل على بناء الأسرة يمثل المدخلات التي تتفاعل مع بعض وتنتج المخرجات التي تمثل نوعية الأفراد من حيث أدائهم كمواطنين وأعضاء يتكون منهم المجتمع ويرتكز عليهم. ولذلك فإن موقع الشعوب والأمم من حيث القوة العامة لكل منها تقوم على نوعية مجموع أفراد الأسر فيها «المواطنون»، وإسهاماتهم التي تنعكس عليها، ومن هنا يتضح وجوب الاهتمام بالأسرة. علما أن بناء الأسرة الصالحة يتطلب في الأساس أن يكون الأب والأم صالحين ومدركين أهمية دور كل منهما وأن يكونا قدوة صالحة للأطفال فيها، فتربيتهم مهمة شاقة وعلى نوعيتها يترتب نجاح أبنائها مستقبلا في خدمة الوطن من عدمه. وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية تفادي بعض السلبيات التي تؤثر على تربية أطفال الأسرة ومنها: تناقض أعمال الوالدين مع أقوالهم، أو أن يعتمدوا في تربية الأطفال على ما يسمى بالمربيات والشغالات الأجنبيات اللاتي كثير منهن غير مؤهلات أصلا لتربية الأطفال، وقد يكون من بينهن من يمثلن خطرا حقيقيا على أطفال الأسر إما لفقدانهن الإعداد والتأهيل للتربية أو غير مؤهلات بأشخاصهن لمثل هذا العمل لانحرافات فيهن «وفاقد الشيء لايعطيه».. الخ. ومهم أيضا الانتباه لضرورة تفادي المؤثرات السلبية لبعض وسائل الإعلام وذلك بالتنبيه والإرشاد والشرح للأطفال في الأسر مسبقا عنها وبشكل مستمر. وتبرز هنا أيضا أهمية مناقشة المواضيع المتعلقة بالأسرة من قبل جميع أفرادها بشكل بناء مع التركيز دائما في تربية الأطفال على الأخلاق الحميدة والمثل العليا وعمل كل ما يسهم في بناء الثقة بأنفسهم، ومن ذلك إتاحة الفرصة لهم بالمشاركة في أعمال المنزل كل حسب ما يناسبه وأن يشاركوا أيضا في اتخاذ القرارات المتعلقة بشؤون الأسرة وأن يعطوا كذلك حيزا كافيا من حرية الاختيار، وخاصة فيما يتعلق بأمورهم الشخصية. وتوفير التعليم الطيب لهم الذي يشجع على الابتكار وحب العمل والخدمة العامة أمر في غاية الأهمية. من هنا تتضح ضرورة إعداد الأم علميا وتربويا لكونها تمثل المصدر المباشر الذي يستقي منه الطفل مباشرة ما يصنع ويشكل شخصيته. ومجموع ما يتلقاه الفرد وما يترسخ في ذهنه وعقله من قيم وسلوك طيب خلال تربيته المنزلية يؤثر حتما في سلوكه العام في المجتمع. ويمكن التعميم بالقول، إن الأسرة الصالحة تولد أبناء صالحين والأسرة المنحرفة تولد أبناء منحرفين. وحتما فإن التربية الطيبة للأسرة تنشئ أبناءها على التمسك بالآداب العامة والأخلاق الفاضلة والمعاملة الحسنة، وهذا مع التعليم الجيد يساعد على أن يكونوا مواطنين صالحين ويتفاعلون إيجابيا مع الحياة بشكل عام. وتأتي المدرسة مكملة لدور الأسرة في إعداد وتربية الأطفال، ولكن لايمكن أن تكون بديلة لها. فالمدرسة بمفردها قد تجد صعوبة في تغيير وتشكيل سلوك الطالب، لأن التربية السليمة تبدأ من منزل الأسرة. على أن المدرسة تلعب دورا رئيسيا في إعداد الطالب وتربيته ليكون مواطنا صالحا، ويأتي هذا الإعداد والتربية من خلال نوعية المدرسين الذين يقتدي بهم الطلاب وما تتضمنه مناهجها الدراسية من محتويات وما تقدمه من نشاطات كفيلة بالإسهام في توسيع آفاق الطلبة ومداركهم وإعدادهم الإعداد السوي ليكونوا فيما بعد أعضاء نافعين في مجتمع صحي سليم. وهناك فائدة كبرى من ربط الدراسة بالحياة، وذلك بتهيئتها مع العمل ليكسب الطلاب خبرة وتجربة من الواقع ليعتمدوا على أنفسهم، ويكون مفيدا العمل من قبلهم على استغلال الوقت فيما هو نافع ومفيد، لأن الفراغ حيثما وجد يمثل مشكلة. فتعليم الطلبة على حب العمل يقف حائلا دون نشوء الاتكالية لديهم التي من مساوئها الانحراف وإفساح المجال للعامل الأجنبي. ويلزم لذلك أن تتضافر جهود المؤسسات الوطنية الأخرى في بناء الأسرة المثالية وبناء الإنسان المكون لها. ويمكن أن يسهم في بناء المواطن الإنسان العلماء والتربويون والدعاة والإعلاميون وغيرهم كل في مجال عمله، وهذا لا بد أن يكون مسبوقا في الاهتمام بالأسرة وبشكل مستمر. ولأهمية دور الأسرة في المجتمع، فإن الإسلام ركز عليها وذلك من خلال اهتمامه بعلاقة الزوج والزوجة التي تنعكس على أطفالهم واهتم بما ينظم شؤون الأسرة من عقد زواج وطلاق وإصلاح وإرث... واهتم بعلاقة الوالدين بأولادهما وعلاقة الأقارب بعضهم ببعض وعلاقة جميع الناس ببعض وما ترك فضيلة إلا ودعا للعمل بها ولا رذيلة إلا ودعا لتركها. والمتأمل لواقع الأسرة لدينا منذ الطفرة، يجد أن مستجدات الحياة عملت بشكل عام في غير ما هو لصالحها. فقد دب التفكك في بعض الأسر وبرزت تحولات سلبية في العلاقات الأسرية نتجت عن بروز العنف المنزلي وزيادة نسب الطلاق وهروب الفتيات والمراهقين من أسرهم.. الخ. وأصبح الأب مشغولا بأعماله والأم مهتمة بأمورها الخاصة ومن ذلك الزيارات والنشاطات الاجتماعية ومنها دعوات الزواج التي تتطلب استعدادا خاصا لها، مما أخلى الجو لأن تلعب الشغالة دورا مؤثرا في تربية الأطفال، فقد أصبحت في بعض الأسر الأم والمربية. والسائق هو الآخر يلعب دورا في حياة الأطفال ويؤثر في مسلكياتهم «دخان، انحرافات.. الخ»، وأصبح هو والشغالة هما من يقفل ويفتح الأبواب على بعض الأسر. وفي هذا الجو ينمو الطفل بعيدا عن والديه ويقل تأثيرهما فيه بصفتهما القدوة، وهذا وضع سينعكس سلبيا على تربيته وكذلك على المجتمع. والنتيجة هي انسلاخ الأطفال عن التربية الأسرية السليمة وعن القيم الصحيحة متأثرين بطقوس وقيم السائقين والشغالات. والحاصل هو تآكل احترام الأطفال لوالديهم ولكبار السن والآخرين إلى غير ذلك من السلبيات التي ستؤثر على المجتمع. والسؤال هو: إذا كان الحال كذلك فكيف يعتمد على هذه النوعية من الأطفال مستقبلا في قيادة وطنهم ؟ وهم لم يأخذوا القدر الكافي من التربية المطلوبة لتحمل مسؤوليات المستقبل ؟ الجواب يكمن في الاهتمام بالأسرة والتربية فيها، وهذا يتطلب أن تكون هناك استراتيجية لبنائها ولإعداد الأطفال الإعداد التربوي السليم، وأن يوجد كيان إداري كبير للاعتناء بشؤون الأسرة ككل. وفي الختام يمكن القول: أعطني أسرة وأعطيك شعبا. وقفة: تنشر في بعض الصحف أحيانا صور مجرمين ثبت جرمهم كأعضاء في عصابة أو منظمة إجرامية وبوجوه مطموسة أو صور لهم من الخلف / القفا وأوجههم للأمام تجاه الحائط، ولا يذكر بالتحديد اسم البلد الذي ينتمي إليه كل واحد منهم، مع أن إيضاح وجوههم في الصور وتحديد بلدانهم يعد عقابا تشهيريا بهم كمجرمين يخشاه البعض منهم، وبالتالي قد يساعد ذلك تجاه جعل المجرم يتردد عن اقتراف الجريمة إذا ما عرف عن سياسة التشهير.