مع انتشار البث الفضائي كتبت قبل نحو ثماني سنوات، مقالاً من جزأين، للتحذير من بعض الجوانب السلبية في البث الفضائي، ومما قلت فيه: "تنتشر هذه الأيام حمى المسابقات ذات الجوائز الضخمة، وتسهم هذه المسابقات في ترسيخ النمط الاستهلاكي - لا الإنتاجي - في المجتمع ولدى الأجيال التي أصبحت القنوات الفضائية المؤثر الأول في تثقيفها وتربيتها، في ظاهرة يجب التصدي لها من المثقفين والمسئولين المخلصين في الجهات الإعلامية والتربوية في العالم العربي، إذ إن العديد من هذه المسابقات أصبحت مقامرة مكشوفة، ومن ذلك مسابقات القنوات الفضائية ذات الأسئلة التافهة لاستقطاب اكبر عدد من الاتصالات التي تصل قيمتها إلى نحو 15ريالاً للدقيقة، فتكلف المتصل فواتير تتجاوز في قيمتها فواتير خطوط الصداقة! وتحقق عوائد بالملايين تتقاسمها هذه القنوات وشركات الاتصالات... أي أن هدف هذه المسابقات لم يعد هدفاً بريئاً لتثقيف المشاهدين، أو الترويح عنهم لفترة قصيرة، بل أصبح عملية استغلال مستمرة لأحلام المشاهدين في الثراء السريع، دون بذل أي مجهود مما يؤثر سلباً على قيم العمل لدى أجيالنا التي تعاني أصلاً من العديد من الإشكاليات". وأصبح لا هم لدى الكثير من المشاهدين سوى مطاردة هواتف هذه القنوات لعله يفوز بفرصة العمر التي لا يفوز بها إلا عدد قليل قد يكون من اختيار هذه القنوات!! ويجب إيقاف هذه الكازينوهات، فقد تم منع اليانصيب في عدد من الدول الرأسمالية رغم انه ينظم بصورة أكثر عدالة مما يحدث لدينا، كما منعت عدداً من الولاياتالمتحدةالأمريكية اليانصيب، ما لم تقم بتنظيمه إحدى الجهات غير الربحية، وبحيث توزع عوائده على الأعمال الخيرية وإنشاء المدارس والمستشفيات الخ.. فكيف يسمح به في الدول الإسلامية؟! ". @@ هذا ماقلته قبل ثماني سنوات أما اليوم فإن الوضع أسوأ بكثير حيث تزايدت بشكل كبير الخطوط التي توفرها شركات الاتصالات المحلية للقنوات الفضائية، ولغيرها ممن يستغلون أفراد المجتمع وبخاصة مراهقيه بمثل هذه المسابقات التي يتراوح كثير منها ما بين التفاهة والقمار (وإن لم يسمها أحد بذلك علناً !) وكذلك الخطوط المخصصة لمشايخ يتاجرون بالفتوى، وغير ذلك مما يشبه ذلك من رسائل تهاجم جوالاتنا برسائلها الترويجية ليل نهار، فيها بعض الصالح والكثير من الطالح، وهنا فإن هيئة الاتصالات يجب أن تراقب وتحاسب شركات الاتصالات وتشرف على وضع الضوابط اللازمة لتأسيس خطوط لمثل هذا النوع من الرسائل التي تستغل الناس. كما ان وزارة الإعلام يجب أن تتحرك وتضع أولوية لمحاولة وضع حد لما تقوم به بعض القنوات الفضائية - الموجهة للسعوديين - من استغلال سواء عبر هذه المسابقات، أو غير ذلك من تجاوزات، إلا إذا كانت وزارة الإعلام لا زالت تعتقد أن مشاهدي القنوات الفضائية أقلية ومشاهدي قنواتها هم الأغلبية، وهنا أقول إنه وفقاً لنتائج المسح الديموجرافي الذي قامت به مصلحة الإحصاءات العامة في بداية 2007فإن نسبة الأسر السعودية التي لديها جهاز استقبال فضائي بلغت 76% من الأسر السعودية، وقد تكون النسبة اليوم قد اقتربت من 90% وأنا أذكر هنا هذه النسبة للتأكيد على مدى انتشار القنوات الفضائية وبالتالي ضرورة الاهتمام بما تبث، ومحاولة الحد من تأثيرها السلبي على مجتمعنا.