كتبت قبل أكثر من ثماني سنوات مقالاً بعنوان» الليبراليون الجدد»، وصفت فيه فئة من أبناء الوطن بأنهم من أنصار الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش والمحافظين الجدد أمثال تشيني ورامسفيلد، وقد زعم بعض القرّاء حينها أنني صاحب السبق في استخدام ذلك المصطلح في الصحافة المحلية، رغم اني لا أجزم بذلك وأرى أن الموضوع لا يزال محل خلاف، هذه المرة سأستخدم مصطلح «التكفيريون الجدد» لوصف فئة أخرى من أبناء الوطن، هؤلاء يعلنون الولاء للدولة ويشجبون العنف والتفجير والقتل، ولكنهم في الوقت ذاته لا ينبسون ببنت شفة أو ينطقون بسوء ضد من يقف وراء العنف ويجيش الشباب الصغار ويخطط لهم، بل لعلي أجزم بأنهم يتماهون كلياً مع منظري العنف ومؤسسي نظرياته، ومع أن لديهم الاستعداد للتحاور حول العنف والقتل كحدث إلا أنهم يحجمون وبطريقة غريبة عن الحديث عن رموز التيار التكفيري وفكرهم ونواياهم، سواء تلك الرموز القابعة في جحورها خارج البلاد، أو تلك التي تستخدم التقية - كما هم اتباعها - داخل البلاد. أخطر ما في «التكفيريين الجدد» انهم يتمظهرون بشكل لا يمثل ما هم عليه من تشدد وانغلاق، بل إن بعضهم يبالغ بالتقية وبدرجة عالية من المهنية والاحتراف، والأسوأ من ذلك أنهم في كل مكان، بدءاً من الدوائر غير المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحراك الاجتماعي، وانتهاءً بحقل التعليم على كل مستوياته. التكفيريون الجدد اغرقوا بريدي بحفلة شتائمية معتبرة بعد مقالي السابق، الذي ذكرت فيه أن التيار التغريبي المزعوم لا يمثله إلا قلة قليلة معزولة لا تكاد تذكر، وان تضخيم وجوده ما هو إلا اختراع هدفه الأول والأخير تخفيف الضغط على تيار العنف التكفيري، وما لم أقله هو أن أنصار التيار التكفيري يبالغون في لي عنق الحقائق، ليتم وصم كل دعاة التنوير والتحديث - الذين يطالبون بالانفتاح على الآخر والاستفادة من تطوره العلمي والتقني وقوانينه المدنية في ما لا يتعارض مع الضوابط الشرعية والأعراف الاجتماعية - بأنهم من أنصار التيار التغريبي، لأن هذا هو أسهل الطرق لوأد كل تحديث في الحراك الاجتماعي، ليقينهم بأن هذا هو السبيل الوحيد للاحتفاظ بمصالحهم ومكتسباتهم. لم أتفاجأ في كثافة أعداد التكفيريين الجدد الذين استفزهم مجرد تأكيدي على الحذر من الزعم بوجود تيار تغريبي معادل بالحركية للتيار التكفيري، كما لم أتفاجأ بالمستوى المتدني في أخلاقيات التعامل وبذاءة اللغة والانحطاط الفكري العميق، وذلك بحكم متابعتي للحراك الاجتماعي منذ ان سيطر الفكر الحركي «المتشدد» على مناشط المجتمع، ولكن ما أحزنني حقاً هو خلط معظم الرسائل التي وصلتني لآيات القرآن الكريم واحاديث الرسول «عليه الصلاة والسلام» مع كل ما يمكن أن يتفتق عنه ذهن مشوه وعقل مسلوب من شتائم وعنصرية ليتناقض المرسل مع نفسه أكثر من مرة، مما يجعلني أتأكد قطعياً من ان التكفيريين الجدد ما هم إلا أتباع مسلوبو الإرادة مشلولو التفكير يأخذون توجيهاتهم وينفذون ما يقال لهم كأدوات جامدة. وهناك سؤال ما زال يحيرني: كيف لا يستطيع هذا التابع - الذي عطل عقله كلياً وتحول الى أداة جامدة - أن يرى الحياة المرفهة والنعيم والجاه الذي يرفل به قادته في أبراجهم العالية، خصوصاً أن معظم هؤلاء القادة الحركيين ينعتون هؤلاء الأتباع بالرعاع؟ تذكرت وأنا أتصفح الرسائل إمام المسجد الذي كان يقرأ القرآن نهاراً فيخشع، ثم يتحول ليلاً إلى خفاش مصاص للدماء البريئة بكل قبح لغوي وانحطاط سلوكي، وكما هو متوقع لم يتجرأ أي من هذه الخفافيش المتخفية ان يبوح باسمه الصريح أو يطلب حواراً عقلانياً معي، مع انه لو فعل لرحبت بذلك ولا غرو، أو ليس زعيمهم البطل المغوار يقبع في كهف مظلم بمكان ما من هذا العالم؟