في مقال أمس كان الحديث حول أولئك الذين يعمدون إلى وضع تعليلات من عند أنفسهم لأحكام ربانية لم يكشف عن غايتها، ثم يأخذوا في ترويج ما وضعوه من التعليلات حتى تبدو كأنها قرينة للنص الشرعي، وفي ذلك ما فيه من ادعاء كاذب بمعرفة المقاصد الإلهية من الأحكام المنزلة، كما أنه أحيانا تكون تلك التعليلات ساذجة ومخالفة للمنطق أو الواقع فتبدو مسيئة للدين عند إظهاره متشبثا بصورة يكذبها الواقع. وكنموذج لتلك التعليلات الساذجة ما ذكره أحد الدعاة من أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، لأن المرأة «تغلب عليها الرحمة والشفقة والحنان والضعف والتردد والخوف وتمر بظروف لا تسمح لها باتخاذ القرارات المصيرية الكبرى». ولذلك هي لا تصلح للعمل السياسي والقيادي ثم ينطلق من هذا التعليل ليأتي ببعض الأحداث التاريخية التي يرى فيها دليلا على فشل المرأة في السياسة. إن تعليل منع المرأة من العمل السياسي بسبب طبيعتها (العاطفية أو الرقيقة) التي تحول بينها وبين القدرة على ضبط الانفعالات أو تحكيم العقل أو الصلابة والجلد أمام الشدائد، هو من الكذب على النساء، والاتهام لهن بحسب الهوى الذكوري الذي لايرى تفوقا للذات إلا من خلال الحط من القدرات العقلية للنساء، وإلا ماذا يقال عن تلك النماذج النسائية المعبرة عن القوة النفسية والاتزان العقلي التي تملأ كتب التاريخ. بماذا نصف موقف أسماء بنت أبي بكر وهي تثبت فلذة كبدها على موقفه العادل حين بدا لها مترددا متخوفا من التنكيل به بعد قتله، فقالت له: «يا بني إن الشاة لا يضرها السلخ بعد الذبح»، «والله لضربة بالسيف في عز، أحب إلي من ضربة السوط في ذل»، ثم إجابتها الجريئة للحجاج لما سألها بوقاحة متناهية بعد قتله ابنها عبد الله بن الزبير: «كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟ فقالت: «رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك».؟ وبماذا نصف موقف أمنا خديجة رضي الله عنها وهي تثبت الرسول عليه الصلاة والسلام وقد جاءها يرتعد خائفا، فتطمئنه بقولها: (كلا والله، ما يخزيك الله أبدا).؟ وماذا عن نسيبة بنت كعب التي تثبت في أرض المعركة تقاتل إلى جانب الرسول يوم أحد بعد أن فر كثير من الرجال؟ وهناك غير هذه النماذج كثير، مما يكشف قدرة النساء على ضبط انفعالاتهن والتحكم في عواطفهن متى اقتضت الحاجة ذلك، مثلهن في هذا مثل الرجال ولا فرق. صاحبنا الداعية، يأخذه الحماس في الاستدلال لإثبات تعليلاته بنفي قدرة المرأة على العمل السياسي لطبيعتها الأنثوية، فيمضي ليقلب حقائق التاريخ ويشوهها بما يناسب تلك التعليلات، فيتخذ من موقف الملكة بلقيس وتسليمها للنبي سليمان، دلالة على شعورها بضعفها وعجزها عن القيام بدورها السياسي، وليس كما نفهم من القرآن الكريم دلالة على حكمتها وتعقلها، وأنها امرأة تؤمن بالشورى فلا تنفرد بالرأي، وتحسب حساب عواقب الأمور فلا تكابر أو تعاند، وتتبين الحق فتستجيب له. أما (أظرف) استشهاداته، فهو عندما ذكر أن من ضمن أسباب انتصار العرب على إسرائيل في حرب 1973م هو أن امرأة كانت ترأس حكومة إسرائيل آنذاك!. وبحسب هذا المنطق نقول كم هو مخجل أن العرب لا يستطيعون الفوز عند مواجهة (الرجال) الإسرائيليين، ولا أمل لهم في ذلك إلا أن تتولى نساء إسرائيل القيادة! وإذن، لنجتمع فنبتهل إلى الله في الهزيع الأخير من الليل أن تتولى سيبني ليفني رئاسة الحكومة الإسرائيلية عن قريب، كي (تضمن) الفوز للعرب الأشاوس!. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة