دفع الحب الكبير لكرة القدم الناقد محمد العباس إلى المبالغة في التغني بجمالياتها، وسرد تاريخها مستندا في ذلك على كتاب «كرة القدم في الشمس والظل» لإدواردو غاليانو، الذي أبرز إغواءتها، معتبرا لاعبي الكرة بعبيد العصر الحديث. العباس استهل محاضرته «المثقفون وجماليات خطاب كرة القدم» في انطلاقة الأسبوع الثقافي في نادي الرياض الأدبي البارحة الأولى، بالقول: «إن كرة القدم قادرة على التكلم بكل اللغات». ولحظ أن «غاليانو في كتابه الذي نقل إلى العربية يقر الجانب المظلم لكرة القدم، المتمثل في تحولها الدراماتيكي إلى صناعة قابلة للتصدير، عبر تكريس العبودية التي يدفع ثمنها لاعب محترف، ليتحول إلى رهينة عند رجال أعمال هم بمثابة المالكين لصك آدميته»، مشيرا إلى أنه من جانب آخر أسهم أمبرتو إيكو أحد المفكرين المعاصرين برؤية شبه كاملة عن إشكالية تلقي نص كرة القدم، حيث تبنى موقفا يستند على التجابه الدائم بشأنها، واستطاع أن يثير الزوابع الكلامية في أكثر من مناسبة. ورأى العباس «أنه فيما يبدو تكريسا لمقولة راسخة عند المثقفين يتم بموجبها تصنيف كرة القدم كلعبة أسياد يؤديها العبيد بالنيابة عنهم، أعاد إيكو هذه العبارات القدحية إلى الواجهة مرة أخرى، ومارس عبرها تفكيك النشوة الجماهيرية الآخذة في التمادي، حين وصف اللاعبين المحترفين بأنهم عبيد العصر». واعتبر العباس «أنه لفهم بعض المواقف المتشددة إزاء هذا النوع من الرياضة، لا بد من العودة إلى نقطة الاحتدام بين الرياضة باعتبارها خطابا جماليا لممكنات الجسد الروحية والمادية، وبين تجليات الخطاب الثقافي، خصوصا الفلسفة التي لا تقبل بأن يجاورها أي خطاب جمالي سوى الشعر، حيث يمكن التقاط جملة من الآراء المتناقضة التي تعكس حيرة المثقف أمام خطاب جماهيري يغويه بالتماس معه من ناحية، ويدفعه للترفع عنه والتعالي عليه من ناحية أخرى»، مؤكدا «أن التاريخ يحتفظ بسلالة من الشعراء الذين كتبوا قصائد حول جوانب مثيرة من كرة القدم». وتطرق العباس إلى حكاية شكسبير حين أومأ إلى سطوة دلالاتها في الحياة الاجتماعية في كوميديا الأخطاء من خلال عبارة على لسان أحد أبطاله، «إذ أردتم التلاعب بي ككرة قدم، فالرجاء أن تخيطوني على الأقل من الجلد». وأشار إلى أنه يمكن الانتباه إلى صور هجائية متأصلة وصادمة ضد كرة القدم منها ما جاء في رواية جورج أوريل الشهيرة التي تصل إلى درجة العدائية للأجواء الحربية للمباريات، ومقت الطريقة القتالية للعبة، كما ينم عن ذلك الموقف الضدي وصفه للمجابهات الكروية بعبارات حادة، منها «لعبة كرة القدم هي حرب من دون إطلاق نار، لعبة جادة لا علاقة لها باللعب النظيف وهي ترتبط بالحسد والكراهية والانفلات من مقررات وقواعد اللعب الصحيح».