الرياضة أصبحت حاضراً صناعة، لذا لم تعد متابعتها مقتصرة على الرياضيين، هناك آخرون ليسوا بالوسط الرياضي وأصحاب مسؤوليات كبيرة ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها حديثاً أو منذ فترة. الوجه الآخر الرياضي لغير الرياضيين تقدمه «دنيا الرياضة» عبر هذه الزاوية التي تبحث عن المختصر الرياضي المفيد، وضيفنا اليوم الإعلامي والشاعر اللبناني زاهي وهبي. * تقول الحكمة التي اخترقت أسماعنا ولازالت "العقل السليم في الجسم السليم".. بصراحة كم هي مساحة الرياضة لدى زاهي وهبي؟ - الرياضة التي أهواها و أمارسها يومياً هي المشي الصباحي السريع على جهاز المشي، وذلك في البيت ولمدة ساعة كاملة أو أكثر، وكذلك كلما سنحت لي الفرصة في الخارج؛ خصوصاً في حالة السفر الى بعض البلدان التي تتوفر فيها أرصفة فسيحة، وحدائق، أو غابات شاسعة. المشي يجدد روحي ويجعل جسمي خفيفاً مثل قلب في مهب الحُبّ. أشجع البرازيل مناصرة للشعوب «المشحّرة» وأحلم بلبنان في المونديال * يتعاطى عديد المثقفين مع الوسط الرياضي بنظرة لا تخلو من الفوقية، فكيف تنظر لها كمثقف؟ - على النقيض تماماً، أرى الرياضة حالةً متقدمة، وعنوان تمدن وتحضر، وثقافة قائمة بذاتها. لذا أرى الوسط الرياضي كما أي وسط آخر، فيه الغث وفيه السمين، وكما تعلم فإن الكثير من الأدباء تعاملوا مع الرياضة بوصفها فناً قائماً بذاته، وبعضهم أّلّف كتباً حول كرة القدم وسواها، ومن المعروف عن الشاعر الراحل محمود درويش أنه كان متابعاً دائماً للعبة كرة القدم، وفي الخليج العربي ثمة كثير من الشعراء والمثقفين تولوا مناصب رياضية هامة منهم على سبيل المثال لا الحصر الشاعر المعروف الأمير عبد الرحمن بن مساعد. لذا لا يمكن الفصل تماماً بين الوسطين الثقافي والرياضي. ثمة مثقفون رياضيون والعكس صحيح، ونقيض الأمرين وارد أيضاً. الفوقية دليل نقص ثقافة وكل مَن يتصرف بفوقية ناقص ثقافة، وناقص روح رياضية، ومَن يتعالى على الناس سواء أكانوا من الرياضيين أو سواهم لا يمكن أبداً أن يكون مُثقفاً. * في وقت يأنف كثير من كتاب الرأي من طرق باب الرياضة حفاظاً على مظهرهم النخبوي، إلا أنهم لا يتأخرون في القفز على أسوارها عند بعض المحطات المفصلية كي يتصدرون واجهة الحدث، ألا ترى في ذلك انتهازية مكشوفة؟ - لا أميل إلى التعابير التي تتضمن نوعاً من الإدانة أو المحاسبة على النوايا. أحياناً يكتب البعض تحت وطأة الحدث الذي يفرض نفسه على الجميع، لنأخذ كأس العالم مثلاً حتى مَن لا يهتم أبداً بالرياضة قد يتابع ويكتب، ولا يمكن هنا أن نتهمه بالانتهازية، إنما بمسايرة المزاج العام. وفي النهاية القراء يستطيعون بالفطرة وبالوعي تمييز الصادق من سواه. * يرى الشاعر البحريني قاسم حداد أن "في كرة القدم مزيجا بشريا يحقق الغاية الثقافية وهي تنمية العلاقات الإنسانية، وهي بذلك كأي نوع من أنواع الفنون والآداب" في حين يراها المفكر الإيطالي إمبرتو إيكو "أفيون الشعوب"، فكيف تراها أنت؟ - أوافق قاسم حداد على نظرته ليس لأنه عربي وشاعر، بل لأن في ما يقوله بهذا الصدد فهمٌ عميق للعبة كرة القدم وما تنتجه من تفاعل بين شعوب الأرض، ولا يمكن أبداً أن تكون أفيوناً حتى لو حاول البعض جعلها كذلك أو تحويلها لمجرد مهنة تدر المال. ليتنا نستبدل الحروب والصراعات المدمرة بلعبة جميلة مدهشة ككرة القدم. * يعيش المثقفون السعوديون بكافة انتماءاتهم الأدبية حالة احباط شديدة جراء تضخم عقود لاعبي كرة القدم، في وقت لا يجد الأديب أن أدبه "يؤكل عيشاً" كما يقال، ترى كيف هي الحالة لديكم كأدباء ومثقفين في لبنان؟ - طبعاً "الحال من بعضه" كما يُقال، ولا يختلف بلدٌ عربي عن آخر. لستُ ضد أن ينال لاعبو الكرة ما يستحقونه وأكثر، و لايحبطني أن ينالوا عقوداً مجزية، علماً أنه حتى لاعبي الكرة في لبنان لا ينالون حقوقهم أسوة ببقية المواطنين اللبنانيين ضحايا الفساد والطائفية والسلطة البائسة على مر العقود؛ لكن الأدباء والمثقفين العرب عموماً ومن ضمنهم مثقفو لبنان لا يحظون بأي رعاية أو اهتمام من الجهات المعنية على نقيض ما هو حاصل في بقية بلدان الدنيا خصوصاً الغربية منها. ليس ذنب الرياضيين أنهم يتاقضون مبالغ طائلة، بل العيب في الجهات المعنية بأوضاع المثقفين في معظم البلدان العربية. * يشبه معلقو المباريات اللاعب الماهر بالشاعر تارة، والفنان تارة أخرى، بل لا يجد البعض منهم غضاضة في وصفه بالفيلسوف، كيف تنظر كمثقف وأديب لمثل هذا التوصيفات التي تغدق على لاعبي الكرة بسخاء مفرط؟ -لا بأس بها، هي تعابير و تشابيه مجازية. في لبنان يقولون عن فيروز "شاعرة الصوت"، أحياناً نقرأ رواية وحين نفرغ منها نقول إنها رواية شاعرية، وكذلك الحال مع بعض الأفلام السينمائية. لذا لا بأس في وصف اللاعب الماهر بالشاعر ففي هذا إطراء للشعراء أيضاً. * قبل سنوات أجريت حواراً مع رئيس نادي النصر الراحل الأمير عبدالرحمن بن سعود في برنامج "خليك في البيت" عبر تلفزيون المستقبل، وهو الحوار الذي لا زال يتردد صداه حتى اليوم، فماذا ترسخ في ذهنيتك من ذلك الحوار؟ - عملاً بالقاعدة التي نشأت عليها القائلة: "اذكروا محاسن موتاكم"، أتذكّر من تلك الحلقة الذائعة الصيت عفويته رحمه الله، وصراحته، وجرأته المقرونة بالبساطة والطيبة وحبه للشعر والشعراء. كما أتذكر بعض التوصيفات النارية التي قالها عن "خصمه" نادي الهلال وعن بعض الفنانين والفنانات ومنهم نوال الزغبي وباسكال مشعلاني. * في مصر والسعودية وكثير من الدول العربية يصنف المواطنون في السياق الشعبي غالباً بحسب انتماءاتهم الرياضية، فيقال في مصر أهلاوي وزملكاوي، وفي السعودية هلالي ونصراوي، وفي السودان هلالاب ومريخاب، بيد أن هذه الحالة تكاد تختفي تماماً في لبنان، فحتى على المستوى الشعبي يصنف المواطن بحسب انتماءاته السياسية والحزبية، كما هو حاصل بانقسامهم ما بين فريقي 8 و14 آذار، فلماذا يغرد اللبنانيون خارج السرب؟ - نؤمن بأن الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه، ولعله عز وجل يحب لبنان جداً حتى ابتلاه وابتلانا بهذه الطبقة السياسية التافهة التي لا تجيد سوى بث الفرقة والانقسام بين اللبنانيين، وتتلاعب بمشاعرهم الطائفية والمذهبية بطريقة مبتذلة ومدمرة. ليتنا نختلف بروح رياضية وليتنا نتعلم من الرياضة حلاوة اللعب والربح وكيفية قبول الخسارة. لعل أجمل ما شاهدته مؤخراً هو توحّد مشاعر جميع اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وأحزابهم وتياراتهم دعماً للمنتخب اللبناني في كرة القدم خلال مواجهته وفوزه على منتخب كوريا الجنوبية. * في مصر مثلا يهتف أنصار الأهلي: "الأهلي حديد.. الأهلي حديد"، فيرد غرماؤهم الزملكاويون عليهم قائلين: "الأهلي حديد.. زمالك سيحه"، أما في لبنان فهتافات الجماهير سياسية صرفة، فجمهور العهد يهتف: "الله.. نصر الله.. الضاحية كلها"، ويهتف أنصار الحكمة: "الله.. لبنان.. حكيم وبس"، ألا ترى في ذلك تفخيخاً للواقع الرياضي في البلد المنهك سياسياً واجتماعياً؟ - ليت الرياضة تظل رياضية وتبتعد عن السياسة والهتافات السياسية. فاللعب الجميل الماهر لا يعرف تمييزاً سياسياً أو طائفياً، والتصفيق والهتاف في الملاعب يجب أن ينحصرا في الإطار الرياضي؛ لأن السياسة تُفسد أو تُفخخ الواقع الرياضي كما جاء في السؤال. ولا شك أنك تعلم أنه تقرر إقامة مباريات الأندية اللبنانية بلا جمهور للأسباب السالفة. * في حين يتفنن أهل الرياضة والفن في العالم العربي في إطلاق أجمل الألقاب على اللاعبين والفنانين، تبارى السياسيون اللبنانيون على الاستئثار بالألقاب الرنانة، كالحكيم، والبيك، والجنرال، والشيخ، والسيد، وهو ما لا يلمس في البلدان العربية الأخرى.. أليس كذلك؟ - لقد باتت السياسة الخبز اليومي للبنانيين و بمثابة الملح لموائدهم، ومن فرط ما بتنا كائنات سياسية صرنا نقدمها ونقدّم مفرداتها ومصطلحاتها على كل ما عداها. * تبدو ظاهرة تعليق أعلام الدول المشاركة في المونديال على واجهات البيوت والمحال التجارية لافتة في لبنان حتى يكاد الرائي يشعر بأن المونديال يقام في بيروت، فأي علم يعلق غالباً زاهي وهبي على شرفة منزله؟ -لا أهوى هذه الظاهرة ولا أحبها وأرى فيها مبالغة وتعويضاً عن غياب منتخبنا الوطني عن المونديال؛ لكنني هذا العام متفائل بإمكانية تحقيق منتخب لبنان الذي أشجعه بكل جوارحي نتائج جيدة قد تدفع اللبنانيين إلى استبدال أعلام الدول الأجنبية بعلم لبنان أو بعلم أي بلد عربي يصل منتخبه للنهائيات. أما علم وطني لبنان فهو على شرفة قلبي قبل شرفة منزلي، وكذلك علم وطني الآخر فلسطين الذي أتمناه حراً مستقلاً قبل شروق الشمس، وقبل انتهاء كل نفس أتنفسه. * يستخدم الرياضيون مصطلحات سياسية وحربية في تحليلاتهم الصحفية، كمعركة، وصاروخ، وقنبلة، ومعترك. في وقت يستخدم السياسيون والمثقفون عموماً مصطلحات رياضية في تداولاتهم السياسية والثقافية كفريق سياسي أو ثقافي، ورأس حربة، ولاعب أساسي، وروح رياضية، فكيف ترى هذه المفارقة؟ - تبادل أدوار، أو كأن كل طرف يستحضر ما ينقصه أو يفتقده. ما أتمناه حقاً انتقال الروح الرياضية الفعلية من الوسط الرياضي الى الوسط السياسي لا العكس. * في وقت كان يتوقع المتابعون لتصفيات آسيا لمونديال البرازيل 2014 أن يكون لبنان حملاً وديعاً؛ إذ به يقلب الطاولة في وجه الإمارات أولا، ثم الكويت في ملعب كميل شمعون في العاصمة بيروت، وكذلك فعل بالشمشون الكوري. ترى كيف كان صدى ذلك عند في دواخلك؟ - وعساه يتابع هذه الانجازات ويوحدنا كلبنانيين خلفه في هذا المشوار الذي بدأ رائعاً مدهشاً لا يمكن وصفه، ولا وصف مشاعري تجاهه لأنها تفوق الوصف. ولعلي أحلم بأن يساهم المنتخب اللبناني في قلب الواقع اللبناني رأساً على عقب. * في حوار لك عبر مجلة "لها" قلت بأنك تتابع المونديال وتشجع البرازيلي ليس لأنه فقط منتخب قوي جداً والأقوى عالمياً، بل لأنك من مشجعي الشعوب "المشحّرة"، ماذا عنيت بذلك؟ - قصدت الشعوب الفقيرة أو النامية لأنني أنحاز للفقراء أينما كانوا. أعلم أن لاعبي البرازيل يتاقضون مبالغ خيالية في كل النوادي التي يلعبون لها وبعضهم يُحسب بين أصحاب المليارات؛ لكنني بصراحة أتعاطف مع بداياتهم ونجاحاتهم وطريقة لعبهم الساحرة، خصوصاً وأن معظمهم يأتي من "الشارع" ومن الأحياء الفقيرة. * لك الحرية في إشهار بطاقتين، واحدة صفراء وأخرى حمراء ففي وجه من ستشهرهما؟ - الصفراء لكل من يحوّل الرياضة عن مسارها و يستغلها لأغراض أخرى، والحمراء بوجه كل الطائفيين والمتعصبين أينما كانوا و لأي جهة انتموا.