ربما لا يكتمل الاجتماع العائلي عند أهالي رفحاء ومناطق الشمال إلا ب(شبة النار) والتحلق حولها، وقد يكون ذلك اتقاء لبرد الشتاء الشمالي القارس أو للتلذذ بشرب القهوة على الجمر، لكنه -أخيرا- عادة شمالية أصيلة يتفق عليها أهالي الحاضرة والبادية. ولا تخلو الديوانيات الحديثة في رفحاء من وجود مكان مخصص للنار، وفيه تطبخ القهوة الشمالية التي تتميز بلونها الأسود المعتم وطعمها الذي لا يكسر مرارته سوى الكثير من حبوب الهيل المطحون، وعادة ما تقدم القهوة مع الزبدة أو التمر أو الإقط. وما زال الشماليون يتداولون مثلا عاميا يقول «فنجال للراس وفنجال للنعاس وفنجال للبطن»، حيث يعاب في عرفهم شرب أكثر من ثلاثة فناجيل في الجلسة الواحدة، إلا أن هناك رجال كرماء يجبرون ضيوفهم على شرب أكثر من الفناجيل الثلاثة. وهناك من أهل الشمال من ينصب خيمة داخل منزله لغرض (شبة النار) وإحياء هذه العادة الاجتماعية القديمة، معتبرين ذلك جزءا لا يتجزأ من الكرم العربي وطبيعة أهل المنطقة، وليس بالضرورة أن يدخل فصل الشتاء لإضرام نار القهوة والاجتماع حولها، فقد يحصل ذلك على مدار العام، لكن الشماليين يصنفون الشتاء كأجمل الفصول، ومنه تخرج اللحظات التي لا تنسى. ومن الأمور التي يعيبها الكثير من رواد الديوانيات، اصطحاب البعض منهم لأطفاله الصغار في المجالس، إذ تعتبر من السلوكيات غير المرغوب فيها ينتقدها المجتمع الشمالي، ولا يحضر مثل هذه الجلسات سوى كبار السن أو من هم في سن الرشد، ولا بد أن يكون الضيف بزيه الرسمي، ويعاب رمي الشماغ أو الذهاب للمجالس بثوم النوم، وعندما يتحدث رجل في المجلس ينصت الجميع وعادة ما تتمحور الأحاديث عن قصص الماضي من كرم ومروءة وشهامة. ويرى فلاح ملاك -وهو أحد أصحاب الديوانيات التي تجمع الأهالي للسمر- أن «شبة النار من أفضل طرق الأنس في فصل الشتاء ونستمتع بها كثيرا، وللقهوة والشاي نكهتان خاصتان إذا كان وقودهما الحطب». أما جهاد طويريق الذي نصب خيمة يجتمع فيها أهله وأصدقاؤه للمسامرة حول النار، فيؤكد أنها طريقة للاستئناس ووسيلة للتدفئة الطبيعية، يقول «في هذه الجلسة نجد متعة حقيقية وحياة طبيعية خالية من التكلف وتتميز بالبساطة. فيما يعبر حبيب غراف عن سعادته بتحلق الضيوف على ناره، «أشعر بارتياح وسعادة غير طبيعيتين عندما أشاهد الرجال يقصدون منزلي، ولا أبالي في دفع أية قيمة مادية لشراء الحطب والقيام على خدمتهم طوال الليل».