كشفت دراسة ميدانية أعدها مركز رؤية للدراسات الاجتماعية بعنوان «العنف الأسري بين المواجهة والتستر»، أن الأطفال الذكور هم الأكثر عرضة للعنف داخل الأسرة، وأن العنف يطالهم بأشكال متعددة، منها «عنف جسدي، لفظي، إهمال متعمد، وعنف جنسي». وأكد جميع الأطفال في الدراسة الميدانية التي غطت معظم مناطق المملكة أنهم تعرضوا للعنف الجسدي مثل الضرب الشديد والصفع والركل وقرص الأذنين بقسوة والدفع إلى الأرض، وغالبا ما يستخدم من يمارس العنف على الأطفال أداة معينة مثل العصا والعقال وفي بعض الأحيان يستخدم أي شيء قد يقع في متناول يديه. وبحسب الدراسة، فإن العنف اللفظي يأتي في المرتبة الثانية بين أشكال العنف الذي يمارس على الأطفال الذكور، إذ يستخدم الآباء كلمات نابية لسب الطفل وإهانته مع أمه محملا إياها جزءا من سوء التربية بحسب الأب المعنف . كما يشكك الأب في صحة نسب طفله كأن يقول لزوجته بأن ولدها «ابن حرام»، وهو ما أكده أحد الأطفال الذين شملتهم الدراسة ودخلوا ضمن العينة. وأجمع الأطفال على أن الضرب والعنف البدني غالبا ما يكون مقترنا بالسب والعنف اللفظي، إذ أن من يضرب الطفل لن يضربه بصمت وإنما يرافقه بألفاظ بذيئة. ويحتل الإهمال المتعمد المرتبة الثالثة بين أشكال العنف التي يتعرض لها الأطفال الذكور بالإضافة إلى العنف البدني واللفظي. فقد ذكر 33 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم «10 13 عاما»، أن آباءهم أجبروهم على العمل في بيع سلع تافهة مثل علب المناديل وزجاجات المياه في بعض الشوارع وعلى الأرصفة خلال ساعات ما بعد الدوام في المدرسة، واشترطوا عليهم أن يستمروا في هذا العمل إذا ما أرادوا مواصلة تعليمهم. وبحسب الأطفال، فإن الآباء يبررون ذلك بأنه يتوجب على الأبناء أن يتحملوا جزءا من أعباء الحياة وأن يخففوا العبء عن آبائهم. ويروي 20 في المائة من أطفال العينة أن إهمال آبائهم الاقتصادي المتعمد كان مصحوبا بنوع من الإيذاء النفسي، إذ قال أحد الآباء لابنه الذي رفض العمل من أجل إكمال دراسته «إيش حتكون ... مدير»، ويدفعه ساخرا إلى الطريق ليباشر عمله. وتؤكد الدراسة أن هؤلاء الأطفال تعرضوا بصورة أو بأخرى لتقليل الآباء من شأنهم والتهوين من قيمة سعيهم، لينالوا نصيبا من التعليم. أما العنف الجنسي، فهو بحسب الدراسة شكل من أشكال العنف الذي لا يحمل معنى صريحا يفهمه الأطفال، وهو قد يمارس عليهم من دون وعي منهم، إلا في حالات العنف الجنسي الصارخ «اغتصاب، هتك عرض، وتحرش»، وهي جميعا حالات لم يشر أحد من الأطفال إلى أنه تعرض لها. أما حالات العنف الجنسي غير الصريحة، فاستدلت الدراسة عليه من خلال خوض الباحث في لقائه مع الطفل عن تقبيله أو مساعدته في خلع ملابسه للاستحمام، وهي جميعا أسئلة لا تخدش حياء الطفل وبراءته، وتعطي مؤشرات مبدئية عن وجود حالات عنف جنسي، وإن كانت لا تعكس قوتها تماما. وفي إطار هذا التحديد، يذكر أحد الأطفال في سن ال 12 أن الخادمة اعتادت أن تقبله مرات عديدة عندما تلعب معه بمفردهما، وأنها تفعل ذلك كمكافأة له على إتقانه اللعب أو على ما يبديه من حسن تصرف. وهنا تعلق الدراسة بالقول: «بغض النظر عن حسن نية الخادمة أو سوئها، فإن السلوك يعتبر مؤشرا على شكل من أشكال التحرش بالطفل وخاصة أنه على أعتاب سن المراهقة».