من الطبيعي أن يختلف حكمنا على الشيء باختلاف زاوية النظر، إذا كان العقل بمثابة المصحح لصدور الأحكام إلا أن الكثير من العقول كحمار السانية التي يدور معها فإذا أطلقته عاد يدور طليقا كما كان يدور مربوطا. وما ذاك إلا لأنه معطل الفكر قليل الفهم يرى الناس في عقله كجنين مشوه الصورة فتجده قد فقد ميزان التوازن بين عقله ولسانه فاتخذ من سوء الظن أغلى الفطن ونسي أن الظن لا يغني من الحق شيئا. فالنوايا لديه مقلوبة فلا نجده يمد رأسه في المحافل حتى يهدم المكان الذي يحل فيه وتبقى الصورة مشوهة حيث يكون لأنه أحب أن يلفت الأنظار فكسب الاحتقار، فلم يكن يستر جهله بصمته بل يكشفه بلسانه فأشغل نفسه بالباطل عن الحق فاتسع بذلك ضميره للكبائر فكانت بضاعته التي يحملها وشاية بين الناس تولى كبرها من لا خلاق لهم ولا إيمان فكان يدلهم على العورات ومواطن الضعف ويفشي الأسرار.. فعرف الناس بضاعته فأصبح يعيش بينهم شارد النظرات فلم يترك له الدهر ساقيا لعله يصوم عن الأحقاد والشرور فيعود بشرا سويا فاقتصدوا معه الكلمات لتقل عليه نفقات السيئات. إلا أنها عادته منذ ولادته خلق ليعيش كالوسواس الخناس بين الناس. يهدم قصرا من الأخلاق ليبني على أنقاضه كوخا من الأحقاد، فعندما عجز أن يهدم عقول الآخرين بقوة النمر راح يحاربهم بمكر الثعلب فأخذ يكذب الكذبة ويلبسها ثوبا جميلا ليحول أنظارهم إلى مجلسه، فتركوه للأيام تؤدبه بعد أن أصبح عجوزا قد جف جلده على عظمه فكأنه حطبة يابسة فانزوى عن الأنظار لعله يقضي أيامه تحت ثقل تأنيب الضمير، لأنه كان من أكبر الناس ذنوبا فغرق في مخاوفه وأوهامه. فمات على حصير قد تقطعت أوصاله فذهب إلى حيث لا يعود ذاهب. مخلد سفر العتيبي مكة المكرمة