بالأمس القريب فرحنا بصدور قرار المحكمة العليا بإبطال حكم محكمة الجوف فيما يعرف بقضية «تكافؤ النسب» والتي من المفترض أن تلم شمل الأسرة التي تشتتت لما يقارب خمسة أعوام. ورغم أنه حتى كتابة هذه السطور لم يلتق منصور التيماني بعائلته نتيجة الحركة البطيئة للقرارات المراد إيصالها، إلا أنه حتى في حال حصول ذلك وهو ما سيتم بإذن الله، ستكون فرحة غير مكتملة والسبب يعود إلى حيثيات الحكم الصادر الذي اعتمد على أساسين هما إثبات أن منصور «ابن قبيلة» من ناحية وأنه «دخل بها» وأنجب منها، الحكم لم يمس مبدأ «تكافؤ النسب» ذاته فلو لم يثبت أن منصور قبلي أو أنه لم يدخل بها فمعنى ذلك أنه ممكن التفريق بين اثنين تراضيا على الزواج نتيجة عدم تكافؤ النسب بينهما وذاك بحد ذاته فيه إخلال بمبدأ العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع الواحد وفيه تناقض مع المبدأ القرآني الذي نبذ القبلية «لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى» لقد جرت القضية لإثبات خطأ ادعاء الإخوة وقرار قاضي الجوف لكنها استندت إلى المبدأ ذاته وهو الإيمان بالتفريق وصحته في حالة عدم تكافؤ النسب لذا كان عمل المحاماة هو إثبات العكس بينما المطلوب هو إلغاء تكافؤ النسب كشرط من شروط الزواج. وهذه الأيام أيضا نحن نعيش تراجيديا زواج «طفلة بريدة» أو طفلة القصيم بعد أن سحبت والدة الطفلة الدعوى المقدمة منها للطعن في عقد زواج طفلتها بعد أن كانت «فاشلة» حسب تعبير زوجها وبعد أن «وافقت» الطفلة على الزواج «برا بوالدها» بعد أن كانت «لا تدري» ولا ترغب في الزواج. هذه التراجيديا يتم معالجتها الآن أيضا بذات الطرق القديمة التي لا تناقش المبدأ وهو تحريم «زواج القاصرات» وتحديد سن الزواج ب 18 عاما. ها هو المحامي المكلف بمتابعة القضية المستشار صالح الدبيبي المكلف من قبل جمعية مودة لقضايا الطلاق يطالب بإعادة الجلسة «التي أقرت فيها الطفلة قبولها بالزواج» لأنه «علم بحدوث ضغوط شديدة أرغمت والدة الطفلة على سحب دعواها وأنه حصل على معلومات دقيقة وخطيرة بوجود ممارسات وضغوط قاهرة ودقيقة مورست على الطفلة ووالدتها كي تسحب الأم دعواها ضد زواج طفلتها بالرجل المسن» لقد دعا المحامي إلى إعادة الجلسة ودعا إلى ضرورة أن تكون مغلقة ومقتصرة على الطفلة والقاضي بوجود عضو من هيئة حقوق الإنسان وجهة مختصة قضائية وامرأة محكمة دون حضور أحد والديها. والسؤال هنا ولنفترض أن الطفلة قبلت بالزواج أيضا في الجلسة المغلقة إياها فهل ذاك يعد مبررا لزواج قاصرة وطفلة لم تدرك بعد معنى الزواج بهذا الرجل الثمانيني؟ أو حتى لو كان شابا في العشرينات من عمره؟ هل على مجتمعنا أن يغمض عينيه وتشرع قوانينه اغتصاب الطفولة والبراءة؟ هل علينا أن نشرع عمليات «البيع» التي تتم لفتيات قاصرات؟ بل أقول أكثر من ذلك ولنفترض أن الأم وافقت منذ البدء على تزويج طفلتها هل يعد ذلك مبررا لنا ولتشريعاتنا أن تسمح بالاتجار بالبشر؟ ألم يستلم والدها الثمن؟ ألا تبقى طفلة في كل الأحوال وعلى المجتمع والدولة حمايتها حتى السن الذي تبلغ فيه الرشد والعقل وتتجاوز طفولتها لتقرر مصيرها بذاتها؟ ألم توقع بلادنا على قوانين مكافحة التمييز ضد المرأة وحماية الطفولة وذاك هو قانون يجب أن ينعكس على قوانيننا مباشرة؟ ألا يجب أن تتعدل القوانين والتشريعات الداخلية بما يتطابق مع التزامنا وتوقيعنا على الاتفاقيات الدولية؟ هذه الأسئلة وغيرها هي التي علينا الإجابة عليها بشكل واضح وصريح لنؤسس للمبدأ ونضع القوانين والتشريعات التي تحمي الطفولة وتمنع البتة البيع العلني ل«فلذات الأكباد». [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 193 مسافة ثم الرسالة