أكد معالي عضو هيئة كبار العلماء الدكتور صالح بن فوزان الفوزان أن تزويج الصغيرة التي دون البلوغ من كفء سائغ اجماعا وأنه يجب على الذين ينادون بتحديد سن الزواج أن يتقوا الله ،ولا يخالفوا شرعه، أو يشرعوا شيئا لم يأذن به الله، وان الحكم لله عز وجل، والتشريع حق له سبحانه لا يشاركه فيه غيره، ومن ذلك احكام الزواج. وأشار معاليه الى انه قد كثرت في هذه الآونة تدخلات الصحافة والصحافيين في الاحكام الشرعية من غير علم وان هذا عمل يخشى من عواقبه على المجتمع.. من ذلك تدخلهم في مسألة تزويج الصغيرة التي دون البلوغ من كفء يصلح لها ومطالبتهم بتحديد سن زواج الفتاة واعتبر ذلك تدخلا في حكم شرعي مرجعه إلى أهل العلم وعلى ضوء الكتاب والسنة وأنه ليس في الشريعة ما يحدّد السن الذي تزوّج به الفتاة بل في الشريعة ما يدل على خلاف ذلك. جاء ذلك في تصريح مفصل فيما يلي بيانه: قال الله تعالى في عدة المطلقة (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) اي الصغيرات اللائي لم يبلغن سن الحيض فعدتهن ثلاثة اشهر مثل اليائسات من الحيض فهذا دليل من القرآن على ان الصغيرة تزوج وتطلق وتلزمها العدة. وقد دلت السنة على ذلك فقد تزوّج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين ودخل بها وهي بنت تسع سنين فهذا دليل من السنة على هذه المسألة وقد اجمع العلماء على جواز ذلك. قال الامام البخاري رحمه الله في صحيحه: باب انكاح الرجل ولده الصغار. لقوله تعالى (واللائي لم يحضن) فجعل عدتها ثلاثة اشهر قبل البلوغ حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن هشام عن ابيه عن عائشة رضي الله عنها: ان النبي صلى الله عليه وسلم تزوّجها وهي بنت ست سنين وادخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح: قوله : لقول الله تعالى (واللائي لم يحضن) فجعل عدتها ثلاثة اشهر قبل البلوغ أي فدل على ان نكاحها قبل البلوغ جائز وهو استنباط حسن لكن ليس في الآية تخصيص ذلك بالوالد ولا بالبكر. ويمكن ان يقال الاصل في الايضاح التحريم الا ما دل عليه الدليل وقد ورد حديث عائشة في تزويج ابي بكر لها وهي دون البلوغ فبقي ما عداها على الاصل. ولهذا السّر أورد حديث عائشة قال المهلب: اجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة ولو كانت لا يوطأ مثلها: انتهى من الجزء التاسع من فتح الباري صفحة 189-190. وقال ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري في صفحة 172-173 على باب تزويج الصغار من الكبار: اجمع العلماء على انه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم وان كنّ في المهد الا انه لا يجوز لازواجهن البناء بهن الا اذا صلحن للوطء، واحتملن الرجال ،واحوالهن تختلف في ذلك على قدر خلقهن وطاقتهن. وكانت عائشة رضي الله عنها حين تزوّج بها النبي بنت ست سنين وبنى بها بنت تسع. انتهى. وقال الموفق في المغني شرح مختصر الخرقي الجزء السادس صفحة 487 مسألة:(وإذا زوّج الرجل ابنته البكر فوضعها في كفاية فالنكاح ثابت وإن كرهت، كبيرة كانت أو صغيرة) قال الموفق:اما البكر الصغيرة فلا خلاف فيها. قال ابن المنذر: اجمع كل من نحفظ عنه من اهل العلم ان نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز اذا زوجها من كفء مع كراهيتها وامتناعها وقد دل على جواز تزويج الصغيرة قوله الله تعالى:(واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر واللائي لم يحضن) فجعل للائي لم يحضن عدة ثلاثة اشهر ولا تكون العدة ثلاثة اشهر الا من طلاق في نكاح او فسخ فدل ذلك على انها تزوّج وتطلق ولا إذن لها فيعتبر، وقال عائشة رضي الله عنها: تزوّجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ست، وبنى بي وأنا ابنة تسع متفق عليه. ومعلوم أنها لم تكن في تلك الحال ممن يعتبر إذنها – انتهى. وقال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم الجزء التاسع صفحة 294:(باب جواز تزويج الأب البكر الصغيرة فيه حديث عائشة رضي الله عنها قالت:(تزوّجني رسول الله صلى الله وسلم لست سنين وبنى بي وأنا ابنة تسع سنين وفي رواية:تزوجها وهي بنت سبع سنين هذا صريح فجواز تزويج الأب الصغيرة بغير إذنها لانه لا إذن لها:تزوجها وهي بنت سبع سنين هذا صريح في جواز تزويج الأب بنته البكر الصغيرة بغير إذنها لأنه لا إذن لها. الى أن قال:واجمع المسلمون على جواز تزويجه بنته البكر الصغيرة لهذا الحديث) انتهى . وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في مجموع فتاواه ومقالاته الجزء الرابع صفحة 126 لما بلغه ان بعض الدول الاسلامية تريد تحديد سن الزواج بأن لا يقل عمر الفتى عن ثمانية عشر عاماً وعمر الفتاة عن ستة عشر عاماً قال:فلما كان ذلك يخالف ما شرعه الله جل وعلا أحببت التنبيه لبيان الحق فالسّن في الزواج لم يقيد بحد معين لا في البكر ولا في الصغير والكتاب والسنة يدلان على ذلك لان فيهما الحث على الزواج والترغيب فيه من دون تقييد بسن معينة. قال الله تعالى (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون ان تنكحوهن) الآية فأجاز نكاح اليتيمة وهي لم تبلغ سن البلوغ واعلاه خمسة عشر عاماً على الأرجح وقد تبلغ بأقل من ذلك السن وقال صلى الله عليه وسلم(تستأذن اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وأن أبت فلا جواز عليها) وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها ولها ست او سبع سنين ودخل بها وهي ابنة تسع وفعله تشريع لهذه الأمة كما ان الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتزوجون في الصغر وفي الكبر دون تحديد سن معينة فليس لأحد ان يشرع غير ما شرعه الله ورسوله لأن فيه الكفاية ومن رأى خلاف ذلك فقد ظلم نفسه وشرع للناس ما لم يأذن به الله . وقد قال عز وجل ذامًّا لهذا الصنف من الناس :(أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) الآية. وقال النبي صلى الله عليه وسلم(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه وفي رواية مسلم:(من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وعلقه البخاري في الصحيح جازماً وأنني أذكّر القائمين في هذا الامر بقول الله تعالى:(فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) فما يصيب الامة او الافراد من فتن او صدّ عن سبيل الله من اوبئة او حروب او غير ذلك من انواع البلاء فاسبابه ما كسبه العباد من انواع المخالفات لشرع الله كما قال تعالى:(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) وقد بيّن الله كما قال تعالى:(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) وقد بيّن الله جلّ وعلا ما حصل لبعض الامم السابقة من العذاب والهلاك بسبب مخالفتهم لأمره ليتنبه العاقل ويأخذ من ذلك عبرة وعظة ولا يكفي دعوى الأخذ من الشريعة الاسلامية اذا وجد ما يخالفها فقد عاب الله جل وعلا ذلك على اليهود حيث قال:(افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون) انتهى. فيجب على هؤلاء الذين ينادون بتحديد سن الزواج ان يتقوا الله ولا يخالفوا شرعه او يشرعوا شيئاً لم يأذن به الله فالحكم لله عز وجل والتشريع حق له سبحانه لا يشاركه فيه غيره ومن ذلك احكام الزواج وقد حث الله عليه بقوله:(وانكحوا الايامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) الحديث. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وجنب الجميع مخالفة شرعه ودينه. الشيخ صالح الفوزان