من المعاني التي وردت في مفهوم الفساد ما قاله الراغب : «الفساد خروج الشيء عن الاعتدال قليلا كان الخروج عليه أو كثيرا، ويستعمل في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة». ونحن في خضم الصراع مع الفساد المالي والإداري الذي بدا زبدا رابيا أمام الأعين يتطاول الفساد النفسي عنقا من زجاجة صارعت الاختناق والتلوي حتى بدت، نعم .. الفساد النفسي حين يأتي على النفس التي بين الصدور فيصيبها الخراب والدمار والزوال, وإن هناك من الأسباب والدوافع لفساد النفس الإنسانية ما ينبغي أن يؤاخذ عليه مسببوه ويعاتَبوا ويؤخذ على أيديهم على قدر نتائج الفساد. فمن يا ترى وراء فساد أولئك الفتيات اللاتي آل بهن الحال إلى دار الرعاية من بعد الجرائم التي قد ارتكبنها، والفساد الذي هو ثمرة إهمال وتهاون في المسؤولية وتوفير سبل أداء الجريمة وتهيئة الأجواء لها .. من وراء ذلك ؟ البيت بمسؤوليه من أب وأم وإخوة كبار هو معول الهدم الأول لأولئك النزيلات .. لما انشغل الأب باهتمامات سوى الأبناء وتخلت الأم عن مهمات رأت أنها من اختصاص الخادمة أو المربية ومضت تمد الخطى مع كل نداء لعمل وزيارات واهتمامات جانبية وإن ادّعت جديتها فإنها قد أتت على الاهتمامات الأولى في حياتها. ذلك التخلي والانشغال عن الأبناء وعن احتواء نفسياتهم ترك فريسة سانحة للأطباق التي تقدم السم في العسل وحينا زعافا خالصا لفكر وقلوب أبناء ما وجدوا الاحتواء ولا الرقابة بل تهيأت لهم أجواء التشبع بالرذيلة حتى الانفجار الذي أدى بهم إلى هذه الدار. وبعد ذلك كله ترفض كثير من الأسر بناتها اللاتي أنهين مدة الحكم في الدار ! ألم تكونوا السبب أيها المتخلون وراء جرائمهن ؟ أين الصفح والعفو ورفع العتب والستر أليس ذلك من صميم ديننا والله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم : (خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين). قال مجاهد: «يعني خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تخسيس مثل قبول الأعذار والعفو والمساهلة وترك الاستقصاء في البحث والتفتيش عن حقائق بواطنهم». لم لا نأخذ من هؤلاء النزيلات التائبات هذه التوبة ونشرع بهن إلى آفاق الصلاح ؟ ألم يمكثن في العقوبة شهورا طويلة وسنوات عديدة ؟ ألم تجلدهن سياط الندم على ماكان ؟ لماذا نعين الظالم على ظلمه ونغضب ونشمئز من التائب وهو «حبيب الله» ؟ عجبا لنا، الله عز وجل يصفح ويسامح ويقبل التوبة ويفرح أشد الفرح بتوبة عبده وأمته ونحن نحمل ونتحامل ونرفض ونعبس في وجه التائب ونقفل أبواب الخير وحسن الاحتواء عليه. لماذا يا أب النزيلة التائبة تتصل بك ابنتك مرارا وتكرارا ولا ترد عليها ؟ ويوم تفرح بلقياك ترفض استقبالها ؟ ألم تبهج دنياك يوما بقدومها عليك ؟ وأنست بطفولتها وفرحت بها ؟ اليوم الله عز وجل فرح بها فافرح أنت بها واحتضن السنين العجاف عل سنابل حضنك الدافئ يفيض عليك بالجنان ويقيك من النيران، إن أحسنت إليها واستدركت ما فات من قصور في تربيتها، فالعبرة بالخواتيم أيها الرحيم. [email protected]