المعلوم أن تحديد المشكلة يعني أنها في طريق الحل، لذا فإن الاعتراف بمشكلة الفقر في المجتمع كانت خطوة هائلة في طريق القضاء عليها ومن هنا نحقق اليوم في «عكاظ» حول فقر المرأة بالذات، فالأرقام النسائية المسجلة في 582 جمعية خيرية تؤكد أن المسألة في غاية الخطورة لما للفقر من انعكاسات سلبية على كل ما يشمل المرأة من دين وأخلاق وتنشئة أطفال. والقضية شائكة بلاشك في مجتمع يعتبر ذكوريا بالدرجة الأولى ولاحيلة مثلا لامرأة بلا تعليم ولديها عدد كبير من الأطفال افتقدت عائلها القابع في السجن ولا مناص لأسرة ممتدة ترأسها سيدة ارتبطت برجل أمي راتبه التقاعدي لا يكفي لإطعام طفل واحد من طرق الأبواب بحثا عن إطعام الأفواه الجائعة. عن فقر المرأة إليكم التفاصيل: يمثل الرجل بالنسبة لأم خالد سندا قويا على مواجهة أعباء الحياة فقد كانت في كنف زوج يتقاضى 6000 آلاف ريال نظير عمله في إحدى الجهات الحكومية لكن ذلك السند مات ليخلف لها أربعة أبناء وأما وراتبا تقاعديا 2800 ريال ومنزلا بالإيجار لتجد أم خالد نفسها أمام ظروف بالغة التعقيد فالأبناء صغار والتعليم لايساعدها على الالتحاق بوظيفة الأم التي أجنبت ذلك السند عاجزة . فشعرت حينها أم خالد بالحيرة وقلة ذات اليد فاتجهت صوب الجمعيات الخيرية تطرق الأبواب صباح مساء مصطحبة معها عقد إيجار المنزل وشهادة وفاة الزوج وصورة بالية من سادس ابتدائي «أصطحب أوراقي في كل مرة أقصد الجمعية الخيرية وأقول لهم سددوا إيجار البيت واحمونا من الطرد أنا وأولادي وجدتنا العاجزة». هكذا لخصت أم خالد مطالبها بتعفف شديد وهي تلهج بالدعاء لجمعية رعاية الأيتام «إنسان» التي كفتها وأبناءها عناء الأكل والشرب. وحول حالة أم خالد أوضحت ل «عكاظ» مديرة مكتب جمعية رعاية الأيتام في شمال الرياض منى باوزير أنها من الحالات التي لايشملها دفع السكن عنها وإنما يشمل الفقراء وحال أم خالد تعد من المساكين ونحن نرعى من هم أشد فاقة منها. حال أم ناصر لم يكن يختلف كثيرا عن أم خالد، غير أن أم ناصر لم يستجب أحد لمساعدتها لأن زوجها مسجون لعدم تسديده دينا بمبلغ 74 ألف ريال ولديها طفلان وتسكن معها أخت زوجها الأرملة مع أبنائها وهي مهددة بالطرد من المنزل لعدم تمكنها من دفع إيجار المنزل «لا أعلم ماذا أفعل غير أني أتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والإلحاح فلم أكن أعتقد أن الأبواب ستقفل في وجهي وأن الشارع ينتظرنا لعدم السداد». إنها حالة فقر واضحة تلك التي تعاني منها أم ناصر. أمام مقر جمعية حقوق الإنسان وقفت أم مشعل قالت بصوت متهدج: «لم يعد هناك أحد يسأل عن المساكين ويعلم الله أننا شهريا أنا وأبنائي وزوجي نعيش على أربعة عشر ريالا شهريا فقط، والسبب هو أن زوجي قام بكفالة عدة أشخاص ولم يقوموا بالتسديد فكان لزاما على زوجي أن يقوم بالتسديد وإلا سوف يسجن، ورغم أن زوجي معسر إلا أن المحكمة أفادتنا بأنه حتى يتم استخراج صك إعسار يتوجب على زوجي أن يدخل السجن فرفضت بشدة لأني أعلم بأني وأبنائي سيكون الشارع مأوانا ولأول مرة أشعر بأن الأبواب تقفل في وجهي ولم يعد أحد يستمع لنا، هل ينتظر الميسورون أن أكون مطلقة أو أرملة أو أفترش الشارع ليعرفوا فعلا مأساتي وأبنائي واليأس الذي نعيشه» سؤال عريض مغلف بالأسى ذلك الذي أطلقته أم ناصر في وجه الجميع. وأرجعت الاختصاصية الاجتماعية مها الشمري أسباب الفقر إلى انخفاض الدخل، استقدام العمالة الأجنبية التي تنافس الطبقة الفقيرة في الأعمال التي يقبلون العمل بها، ارتفاع تكلفة المعيشة في المدن. ورأت الشمري أن العائلة التي تتكون من عدد كبير من الأفراد ولا تمتلك دخلا كافيا تعمد إلى البحث عن طرق تمويل تكون الديون العمود الفقري لها وهو ما يدخلها في أزمات مالية مستمرة تؤدي إلى حالات من الانحراف. وتشير الاختصاصية الاجتماعية حسب الدراسات إلى أن انخفاض الدخل لدى رب الأسرة العامل أو انعدامه لغير العامل والحوادث الشخصية كوفاة الزوج أو هجره لأسرته أو دخوله السجن أو فصله من العمل وعدم الوعي الاجتماعي للأسر الفقيرة أبرز مسببات الفقر في مدينة الرياض. وذكرت عميدة مركز دراسة الطالبات في جامعة الملك سعود الدكتورة الجازي الشبيكي أن مؤشرات وقع الفقر على كاهل المرأة أكثر من وقعه على الرجل في المجتمع السعودي حيث يتضح ذلك في زيادة أعداد النساء المستفيدات من مخصصات الضمان الاجتماعي سواء المعاشات أو المساعدات الاجتماعية. وتؤكد الدكتورة الشبيكي أن تقارير أغلب الجمعيات الخيرية الرجالية والنسائية تدل على أن النساء والأيتام هم أكثر الفئات المستفيدة من مساعدات وإعانات تلك الجمعيات لما تحتاجه المرأة بشكل دائم من الإنفاق على صغارها وتحمل عبء مسؤولياتهم في حال ترملها أو طلاقها أو هجرها. ورأت عميدة مركز دراسة الطالبات في جامعة الملك سعود أن هناك حلولا ستؤدي إلى معالجة فقر المرأة كتنظيم برامج مكثفة لتوعية المرأة بحقوقها الشرعية وواجباتها تجاه نفسها وأسرتها ومجتمعها من خلال المدارس، الجامعات، الجمعيات الخيرية ووسائل الإعلام المختلفة، تبنى برامج تدريب حكومية وأهلية تتوافق مع احتياجات سوق العمل لتدريب النساء على مجالات عمل جديدة ونافعة . إزاء ذلك كشف مدير إدارة الإحصاء الاجتماعية في مصلحة الإحصائات العامة والمعلومات وأمين اللجنة الإعلامية والمشرف على المركز الإعلامي لتعداد 1431ه عبد اللطيف الخميس أن عدد الأسر التي ترأسها امرأة بلغ 104451 أسرة في آخر إحصائية، و 2836623 أسرة يرأسها رجل كمتوسط حجم فقط وليس العدد الكامل «لا يعني أن الأسر التي ترأسها امرأة فقيرة إذ ليس لدينا إحصائية عن فقر المرأة في المملكة».