في مقالات سابقة ناقشت الأحكام الشرعية التي تصدرها المحاكم الجزئية بالسجن والجلد في القضايا التي لا يوجد فيها حد من حدود الله أي عقوبات تعزيرية، وطالبت بإيقاع العقوبات البديلة بدلا من السجن والجلد خاصة في قضايا مشاجرة أو اتهام أو إساءة وما إلى ذلك، وأيضاً أصدر المجلس الأعلى للقضاء وأيد مبدأ العقوبات البديلة، ولكن تركها كقرار اختياري بيد فضيلة القاضي. وبالتالي دار النقاش والجدل حول أن هنالك مخالفات لا تسبب أضرارا مادية وإنما معنوية ومع ذلك يحكم فيها بالسجن والجلد، أي أن العقوبة أكبر من المخالفة نفسها. في حين أنه فيما يتعلق بقضايا الأخطاء والإهمال الطبي أجد العكس حيث يتضح أن العقوبات أقل بكثير من الأضرار الناشئة عن تلك المخالفات والتي تؤدي إلى وفاة الإنسان، وهنا لا أتحدث عن الأخطاء الطبية الناتجة عن اجتهاد الطبيب بحسن نية، فتلك مسألة أخرى، ولكن أتحدث عن الإهمال الطبي الذي يؤدي إلى فقدان إنسان لحياته حيث نجد أن نظام مزاولة المهن الصحية الصادر بتاريخ 1426ه، نص في مادته الثامنة والعشرون على عقوبة لا تتجاوز سجن ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على مائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين لمن زاول المهنة بدون ترخيص، وهنا أتساءل من الذي مكن هذا الممارس من ممارسة المهنة دون ترخيص؟؟ وبشكل أوضح من الذي وظفه وعينه وجعله يعمل بدون ترخيص؟؟ عملياً صاحب المستشفى أو من يمثله من مدير وخلافه يعتبر شريكاً في الجريمة يجب أن تطاله نفس العقوبة لأنه هو من وظف أو عين أو مكن الممارس من مزاولة المهنة في منشأته الطبية بدون ترخيص، أي أن هنالك من مارس المهنة بدون ترخيص، وهنالك من مكنه ووظفه ليمارس المهنة بدون ترخيص، في مخالفة صريحة للوائح الصادر من ولاة الأمر، فإن كانت بعض المخالفات التي لا يتجاوز ضررها الضرر المعنوي فقط (في غير الحدود) كالاتهام أو الإساءة أو المشاجرة بدون إصابات وحالات أخرى مشابهة، يحكم على مرتكبها بالسجن والجلد، وضررها معنوي فقط، أو ليس من الأولى أن من خالف اللوائح وقام بتعيين إنسان مارس مهنة الطب بدون ترخيص مما تسبب في وفاة إنسان، أن يستحق على الأقل عقوبة السجن؟! * المحامي والمستشار القانوني [email protected]