إذا كان الحديث قد سلف في بيان بعض أوجه الارتباك والاضطراب في الواقع الدعوي المعاصر وكشف بعض جوانب التحديات الجديدة المؤثرة التي تموج بها الساحة العامة، فإن من المناسب الإشارة في خاتمة الحديث عن هذا الموضوع إلى أهم المخارج المطلوبة لمواجهة هذه التحديات وتوظيفها توظيفا حسنا لتكون دافعا للمراجعة والتصحيح ووقودا للانطلاق، وفي مقدمة ذلك ما يخص الداعية نفسه وأول ذلك أن يجتهد في تعاهد المعاني الإيمانية الجليلة على الدوام بكل أسباب زيادة الإيمان من طاعة وعلم وتفكر ومجانبة للمعاصي والمشتبهات مع ارتفاع إلى مقامات الورع والكمالات والنوافل والعزائم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فالزمن زمن شبهات وشهوات وهو زمن رغبة ومطامع كما هو زمن رهبة ومخاوف وما من معين على الثبات والسداد في المواقف والآراء كالإيمان الصادق الذي يربط العبد بربه فيشرح صدره وينير فكره ويعصمه من الأهواء، وإذا كانت الحياة المعاصرة المتشابكة قد كدرت عليه صفو نفسه ولذة خلواته ومناجاته وأبعدته عن كتاب ربه وتذوق آياته فلا بديل له اليوم من عودة صادقة تستلهم التربية الربانية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مواجهة العقبات والمصاعب حين قيل له على جهة الأمر والإلزام وهو في مستهل طريق الدعوة «يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا» وتأهل الداعية للدعوة إلى الله لا بد له من قلب متعلق بالله طاعة وتعبدا قلب له صلة دائمة مستمرة بكتاب الله تعالى قراءة وتأملا وفهما يستمد منه الهداية والبصيرة والثبات والصبر، فتقوى آماله بالله وتنفتح له أبواب التفاؤل والاستبشار مهما رأى من المصاعب وغالب من المتاعب ومن أسرار هذا الشأن أن يجدد التوبة لله تعالى على الدوام فلا بد له من شائبة معصية أو تقصير وقد أمر الله الصحابة والمهاجرين المجاهدين بالتوبة بعد أن جاهدوا وهاجروا وبذلوا فقيل لهم وهم في المدينة «يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا» فكان ذلك مشعرا لهم بأن العبد وإن أحسن زمنا طويلا فهو لا يزال مقصرا في حق الله تعالى تقصيرا يستوجب التواضع له سبحانه والخوف منه والرجوع إليه بالتوبة والعزيمة على إصلاح الحال وبذل الجهد في القادم من الأعمار. وإذا صح من العبد العزم على مراجعة أحواله الايمانية، وتدارك تفريطه فسيرى من توفيق الله له في هذا الباب ما تقر به عينه وتسكن به نفسه في هذا الزمن المضطرب بالفتن من كل جانب وسيرى أن هذه التحديات التي تتابعت عليه ليست إلا مواضع مجاهدة ترتفع فيها الأجور والمنازل عند الله تعالى، ومن هذه الإشارة العابرة إلى أهم المطالب في هذه الأوقات ننطلق إلى المطلوب الثاني في الأسبوع القادم. [email protected]