(كامو) روائي فرنسي صاحب الغريب والطاعون له حكاية يرويها عن رجل ( متقاعد ) هوايته الوحيدة إغراء القطط كي تأتي إلى نافذة منزله وحين تفعل ماتريد يبصق عليها.. هكذا كل يوم وحين لقت القطط حتفها أصيب بحزن شديد ومات هو الآخر!! لقد فقد مبرر وجوده وهذا حال بعض ( المتقاعدين ) فرغم جمود العمل الذي كانوا يقومون به وعدم رضائهم الوظيفي إلا أنهم حال مايتقاعدون يكتنفهم إحساس ضبابي كثيف يصل إلى حد العدم العاتي إزاء الوجود برمته يتمنى الواحد منهم أن تمتد إليه يد ساحر وتنتزع تلك الأحاسيس من نخاع رأسه .. لقد انقطع حبل السرة الذي كان يربطه بالحياة والمجتمع فصقيع التقاعد أحيانا يبتر الإنسان من جذوره ويجرده من هويته الاجتماعية فالإنسان خلق ليعيش بين الناس إن فصلناه عنهم.. إن عزلناه تفككت أفكاره وتبلبلت وانقلبت إلى سواد يشبه الأشواك في أرض قاحلة وكل ذلك يحدث لأن أغلب المتقاعدين لا يفكرون فيما سيفعلونه خلال تقاعدهم!!. لدي صديق متقاعد يكاد يجسد هذا الرمز، فعلاقتي معه تربو على الربع قرن وفق الحساب الضوئي للعدد الفلكي ..منذ عرفته وهو يتحدث عن التقاعد لم يكن سعيدا في عمله قط كان ينتظر التقاعد كعقيم تنتظر مولودها الأول وكهدية من يد القدر كان يعتقد أن التقاعد هو السبيل الوحيدة للخروج من مستنقع العمل إلى الضوء .. كان جوابي له دائما وهل فكرت فيما ستفعله بعد تقاعدك !! كان يقول لي سأسافر وأستمتع برؤية العالم.. ولدي كتب أشتريتها عبر السنوات، وتقاعد .. تحول إلى بطل من أبطال قصص الغارقين في ترف الكسل وأناقة التقاعد وسافر لثلاثة أشهر وعاد كعصفور وقع من عشه وماعاد يقوى على الطيران وصار ينام فورا ما أن يقرأ صفحتين واكتشف أنه لم يحب القراءة أبدا ومع الأيام صار يلبس ساعة معطوبة ليضلل الوقت ويمارس الذوبان في سرابه الخاص كتمثال شمع.. صار كثير التأوه والشكوى كمن أضاع مكانه في العالم يتكلم في الانحراف الأزلي لوجود هذا العالم على هذا النحو من الظلم والقبح وانعدام العدالة الاجتماعية، أصبح إنسانا مسكونا بالقلق والتوتر مهموما من غير أمل ينبش المنسي ويدخل في تصفية حساب مع نفسه والماضي، يربط بين الحاضر والماضي.. اللحظات الجميلة صارت في منزله كبرق متقطع لا يلمع إلا ليغادر ويختفي واحتل النكد أرجاء منزله نكد تعجز الأفلام الهندية عن إخراجه وأصبح هو وزوجته عدوين تحت سقف واحد.. اكتشف فجاءة أن التقاعد ليس استراحة محارب ولاخلوة كما تمنى.. تقول زوجته لقد أصبح رجلا خجلا من الحياة ترتبك خطواته وتنبت في وجهه تجاعيد قاسية كأثلام الحقول الجافة بعد الحصاد كأنه مولود جديد يتعلم أبجدية الحياة. صديقي هذا ليس من العشب الهش الذي يداس بسهولة ولكنه من أولئك الذين فقدوا بوصلة التخطيط لمرحلة مابعد التقاعد والتي قد تغرق الإنسان منا في لجة الوهن والإحباط، صديقي هذا لم يجيد صياغة حياته بعد التقاعد.. لم يعرف كيف يصمم أيامه القادمة بكلفة ألم ومنحنى روحي جسيم أقل.. يتصل بي من حين لآخر بصوت خافت شبه مخنوق يسطو عليه الألم الجوفي كغريق يطلب النجدة دون صراخ يطلب مساعدتي كنوع من الرعاية الروحية تساعده على عدم الانهيار والتلاشي ينتظر مني في كل اتصال بعض الإمداد الحيوي للروح المهددة باليباس وأحاول كمن يحاول إعادة الحرارة لميت أن أتفاعل معه لا شعوريا كالأواني المستطرقة ننضح من بعضنا لبعض.. يقول أحد المتقاعدين في تجربته التي التقطتها من على الشاشة الزرقاء الألكترونية مفادها.. لا تتقاعد مالم تحقق أربعة أهداف مسبقة الأول: أن يكون أبناؤك مستقلين ماديا ( مثال ذلك أن يكونوا قد حصلوا على عمل مناسب ) والثاني: ألا تكون عليك أي مسؤولية مالية ( أي أن تكون قد سددت جميع قروضك ) والثالث: أن تكون لديك مدخرات كافية تدعم أسلوب حياتك باقي العمر.. والرابع: أن تعرف ماستفعله خلال تقاعدك.. وبالطبع فلا يجب عليك التقاعد إذا ماكنت تتمتع بالعمل وتحصل على مقابل له.. لقد قرأت في مجلة ( توداي ) قصتين لاثنين من المسنين الأولى لجدة حصلت على الدكتوراه وهي في سن السبعين وانخرطت في التدريس. أما القصة الأخرى فهي لأخصائي أشعة هندي متقاعد أهل نفسه بعد التقاعد كأخصائي للعلاج بالإبر الصينية وهو يبلغ من العمر الآن 87 عاما ولايزال يقدم خدماته بما في ذلك الخدمات المجانية لأولئك غير القادرين.. وأؤكد لكم أنهم أناس سعداء اكتشفوا المرحلة الثانية التي ستنتهي معها رحلتهم. فخطط لما تفعله بعد تقاعدك حتى لاتصبح رحلة التقاعد عقيمة ويصبح الفضاء مكفهرا جافا فالحياة مهما قست فهي نصفها أسود والنصف الآخر أبيض.. إياك أن تطفئ آمالك فمن يفقد شهيته للحياة ويطفىء آماله يفقد فردوسه وتصبح قهوة صباحه أكثر مرارة. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 134 مسافة ثم الرسالة