نوعية من الكتب تأكلها وتلتهمها على رأي الأستاذ أنيس منصور، ونوعية تأكلك هي وتستقر في بطنها لتضيع وتغرق في زحام ضوضائها فتلعن كل شيء في سرك.. فلا أنت استفدت منها ولا هي ازدادت قيمتها بعد أن امتصت وقتك ودمك وجهدك، ونقودك!. تشبه في خستها الفيلم الطويل الذي تشاهده على أمل أن تصل لمشهد يشفي غليلك أو يفك الطلاسم، وإذ بك تجد نفسك تصل للمشهد الأخير ويسدل الستار دون أن تفهم ما الموضوع بعد أن مات الأبطال، والكومبارس، والمخرج الذي قرر أن يقضى نحبه منتحرا خشية بطش الجمهور الغاضب!. ودبي الثقافية، كانت الكتاب المبهج والرؤية الجديدة والاستثمار الراقي في قلوب وعقول هذا الجيل.. في زمن الصخب وغرق سفينة الثقافة العربية في بحور ظلماء متلاطمة! اليوم تصنع كتابا يختلف، ووهجا ثقافيا عربيا طالما غاب عن سمائنا الملبدة بالغيوم!. لا أمة متفوقة بلا علم، ولا نهضة بلا قراءة ولا تنمية بلا سواعد واعية.. مثقفة ذكية، تعرف وتدرك الطريق والهدف! أما على أرض الوطن فهناك قائد يقف في الركن البعيد الصاخب، وقد صعد إلى شرفة النهضة الثقافية، يدعى خالد الفيصل.. ظهر علينا مبتسما يتأمل حالنا وكله إصرار وأمل في تحريك المشهد الثقافي المحلي. في ملامح ذكية تثير في النفس شجون وذكرى وجه مألوف لقائد فيصلٍ عشقناه، رغم أننا ما رأيناه!. اليوم الأمير خالد يأخذ على عاتقه ذلك الحلم، المحمل بإرث مرهق لمنطقة هامة وحيوية من وطننا، ليحلم وسط التحديات ببزوغ فجر جديد، فكانت جائزة مكة للتميز!. ومفهوم الجائزة هو الاعتناء بالإنسان، فهو الأساس أولا وأخيرا، والتأكيد على مفهوم الرقي في الأعمال أيا كان لونها وطعمها، ومجالها.. والحرص أن يتعدى بريق الجائزة أخيرا المنصات ولحظات التصفيق ودقائق الشهرة الزائفة، إلى واقع ملموس، كي يولد تغييرا إلى الأفضل!. لذلك اليوم نقول إنه آن الأوان أن تتعدى أدوارنا الانتظار الممل في الطابور دون عمل.. يجب أن تنطلق أيادينا وأن نتحدث وأن نقول ما يجول بخواطرنا.. أن نقدم أحلامنا على شكل خطط مدروسة وأرقام وأفكار للدولة. حلمنا أن نرى أنديتنا الأدبية وقد بعثت فيها الحياة، بعد أن قتلنا في شبابنا القدرة على الحركة والإبداع، حلمنا أن نرى منافسا شريفا للمطاعم السريعة التي حولت أجساد شبابنا إلى أكشاك متنقلة.. وعقول تحلم بالوجبة القادمة في فراغٍ قاتل!! حلمنا أن نرى مكتباتنا العامة في وسط المدينة وعلى أطرافها، وقد امتلأت على بكرة أبيها.. حلمنا أن نرى المسابقات الثقافية والفعاليات المتنوعة تطل علينا من أروقة الجامعات، لنرى الشاب الجامعي وقد انطلق كالصاروخ في سماء الحياة العملية بكل حيوية ونضوج، متحدثا ومفكرا، وليس نائما خمولا يعاني شيخوخة مبكرة في أزهى أيام الصبا.. حلمنا أن نرى مركزا ثقافيا محليا حقيقيا متكاملا تحتضنه الدولة، ويموله القطاع الخاص القادر على إحداث نقلة نوعية في هذا المضمار.. حلمنا أن نحاول إشراك القطاع الخاص في المنظومة، لتولد حالة تمازج واقعية بين القطاعين، فما دام هناك مسؤول مثقف وفكر واع وفريق عملٍ مميز.. يبقى هناك أمل أن تحقيق الأحلام!.