الهجرة حدث تاريخي يتكرر الاحتفال به سنويا، وكثيرون هم خطباء المساجد الذين يتناولونه ويبدو لي أن الوقوف عنده أمر بات أكثر إلحاحا، بخاصة أننا نعاني وعينا أم لم نعِ انسلاخ بعضنا من الاعتزاز بالوجوه المشرقة من التاريخ والتراث، وصارت الهجرة لكثير مما دخل ويدخل حياتنا أمرا ملحا أيضا، لذا فإن الهجرة بهذا المعنى تتطلب الوقوف عندها لفهم مدلولها وأنها تعني بالدرجة الأولى الترك، سواء كان تركا ماديا للمكان الضيق، وقد يكون بلدا بأكمله كما حصل مع أكثر من 500 مليون تركوا بلدناهم وصاروا مهاجرين في أنحاء العالم اليوم، وكذلك من ترك مكة وهاجر للمدينة قبل 1431 عاما، وقد يكون تركا معنويا لكل إثم أو ظلم أو عمل يؤدي إلى غضب الله وعذابه، وبهذا المعنى لم يعد مطلوبا من الناس أن يهاجروا مكانيا بقدر ما هو مطلوب أن نهاجر معنويا، أن نهاجر تاركين ومخلفين وراءنا كل إثم وكل عمل وكل طريق وأسلوب يفضي إلى غضب الله وعذابه، بل نحن أحوج ما نكون إلى ترك كل ما يحصرنا في مناخ الأرض ويحرمنا من ربط الدنيا بالآخرة، إن هجر التقوقع داخل إطار الأرض والتقاتل على ما فيها فقط بغض النظر عن الأسلوب الذي نتبعه لتحقيق ذلك وبغض النظر عن الظلم الذي نوقعه على بعضنا، وبغض النظر عن الآثام التي نرتكبها، إن مثل هذا التقوقع ونسيان بعد الآخرة هو بقاء في المكان والزمان، بل إنه بقاء وممارسة للرجز الذي نحن مطالبون بتركه وهجره والابتعاد عنه، وإذا كانت مكة في الماضي قد ضاقت على المسلمين بسبب سيطرة الظالمين عليهم، فإن ما في يد الناس اليوم من وسائل تواصل قد وسع الدنيا على الناس مع وجودهم في أماكنهم، وربما لم يعد مبررا في كثير من الأحيان أن يهاجر المرء من مكانه، وإنما صارت الهجرة والابتعاد عن مصادر الإثم معنويا بتركها هو المطلب الحق، وربما نحن جميعا بحاجة إلى تدريب أنفسنا على هجرة كل ما يؤدي لإثم أو ظلم أو فاحشة وينبغي أن نعترف أن طريق الفواحش صار معبدا وسهلا ويسيرا، فما هو السبيل لتطبيق مبدأ الهجرة في هذا الزمان؟ ولعلي لا أجانب الصواب إن قلت أن للهجرة وسائل كثيرة أهمها أن نهجر الظلم، ونتواصى بهجره، ونعمل على مساعدة المظلوم لرفع الظلم عنه، بغض النظر عمن يكون هذا المظلوم، لأنه قد يكون طفلا بين يدي أبوين ظالمين، أو زوجة مع زوج ظالم، أو طالبا مع معلم ظالم أو مراجعا مع موظف ظالم، أو مرؤوسا مع رئيس عمل ظالم، ولنتذكر أن بقاءنا نشاهد المظلوم محدود بزمان هو عمرنا، وأننا لا بد مغادرون سواء كنا نمارس الظلم على غيرنا أو نشاهد من يمارسه ونسكت عنه، فأقدامنا الثابتة اليوم قد لا تبقى كذلك يوم تزل الأقدام ولنقف عند ما نقله ابن عمر رضي الله عنهما عن المصطفى عليه الصلاة والسلام حين قال: «من مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله تعالى قدميه يوم تزل الأقدام». للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة او عبر الفاكس رقم: 6327389 الهاتف: 2841552 الإيميل: [email protected]